أولى

رهانات دعاة الفتنة وكيفية مواجهتها

– واقعيّاً لا يبدو أن هناك رأياً عاماً لبنانياً جاهزاً لمقامرة خوض حرب أهلية، ويظهر أيّ تفحص للمزاج الشعبي العام في كل الطوائف، أن التنابذ في الخيارات السياسية على أساس طائفي عميق، لكنه على البارد، بينما كانت الحماسة للحرب الأهلية عام 1975 عابرة للطوائف، رغم عدم الوضوح السياسي إلا بشعارات غائمة مثل رفض الوجود الفلسطينيّ المسلح. وواقعياً يشكل الجيش اللبناني ضابط إيقاع قادر على التحرك والحضور لمنع أي تصادمات عنيفة بعكس ما كان عليه الحال عام 75، وكان الجيش موحّداً تحت عنوان تربص أبناء كل طائفة بلحظة الفرار أو الانشقاق للالتحاق بميليشيا الطائفة، بينما اليوم جيش موحّد على رفض الصدام الطائفي والسعي لمنع وقوعه، وفوق هذين العاملين، يبدو الفريق اللبناني الذي لا مشكلة لديه بالذهاب للحرب إن كان قادراً عليها، أن من يريد الحرب لا يقدر عليها، بينما تبدو المقاومة وحزبها المعني الأول بأيّ حراك مسلح أنها محكومة بمعادلة، من يقدر على الحرب لا يريدها.
– لذلك لا تبدو الحرب الأهلية فرضيّة قابلة للتحقق، لكن الفتنة محتملة، والانزلاق إليها وخروجها عن السيطرة واردان، وأدواتها ببساطة لحظة انفعال تغذيها خطابات سياسية وإعلامية قادرة على الانتشار والوصول الى الناس بلغة الكراهية والأحقاد، فتشكل بؤرة ملتهبة يبدو صعباً تطورها إلى حرب، إن لم يكن مستحيلاً، ليصير السؤال عن سبب تورط المؤسسات الإعلامية والشخصيات السياسية في تأجيج النفوس للانزلاق إليها، طالما أنها في النهاية بلا أفق، والنهاية معلومة سلفاً وهي الفشل في جر البلد الى حرب أهلية. والجواب هو أن المطلوب إبقاء التوتر الطائفي على درجة من الحرارة، والحفاظ على نفوس مشحونة بالكراهية والأحقاد، ولذلك يتم التربص بكل حادثة عابرة أو مصادفة قابلة للتوظيف، لإطلاق حملات تعبئة وتحريض لها وظيفة واحدة، هي بناء جدار عداء عند الرأي العام المسيحي ضد حزب الله، وهذا كافٍ للتأثير على جهوزيّة التيار الوطني الحر للمضي قدماً في الحوار مع حزب الله، لأن منع هذا الحوار من الوصول إلى نهايات إيجابية هو الهدف، بمقدار ما يشكل نجاح هذا الحوار مصدر قلق لهؤلاء ومَن يقف خلفهم.
– سياسياً الرد هو أحد اثنين، إما فشل الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر سريعاً، أو نجاح هذا الحوار سريعاً، أما طول أمد الحوار، يعني أن اللعب بالنار سوف يستمرّ، وكلما استمرّ طال الأمد أكثر لصعوبة تسويق التيار للتفاهم مع حزب الله في مناخ شديد التوتر العدائي بوجه الحزب، أما حول ما يمكن فعله إجرائياً، فهو ببساطة أن يتجرأ القضاء بدعم سياسي معنوي من الحكومة ويضع تطبيق القانون على الطاولة، ليس لملاحقة أصحاب الآراء، بل لأمر إجرائي بسيط، وهو إلزام وسائل الإعلام بالامتناع عن تناول تحقيقات واتهامات في حوادث يحقق فيها القضاء دون استئذان النيابة العامة. وهنا الأمر ليس رأيا بل معلومات، واتهامات، ومنعاً لتأثيرها على التحقيق، كما يقول القانون يمنع تناولها إعلامياً، ويكفي بدل المنع التام ربط النشر بمراجعة النيابة العامة، ولتأمين المراقبة يمكن تكليف الأمن العام باعتباره يملك الإمكانات التي لم يتم توفيرها للمجلس الوطني للإعلام للقيام بالرقابة، ويرسل التقارير إلى كل من رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة والمرجعيات الروحية ووزارات الإعلام والعدل والداخلية والنيابة العامة التمييزية والمجلس الوطني للإعلام، وتحال المؤسسات المخالفة أمام القضاء المختص.
– قل رأيك بكل حرية، لا مشكلة بحرية الرأي، لكن التحقيق والاتهام من مسؤولية القضاء والأجهزة الأمنية، فليقُم كل بعمله، ومهمة الإعلام مراقبة عمل الأجهزة والقضاء وانتقاد التقصير، لا الحلول مكان هذه الأجهزة ومكان القضاء.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى