ثقافة وفنون

«هذي حكايتي» تمنح الجائزة الذهبيّة لقصة «السقيفة» للشابة حنين نبيل القبة تساؤلات عن الحرب والقتل وحمل السلاح وتوثيق لمعاناة وطن

تناولت الشابة حنين نبيل القبة في قصتها التي حملت عنوان «السقيفة» وقائع عاشتها مع عائلتها في قريتها «المخرم الفوقاني» في ريف حمص عام 2015، وقد نالت الكاتبة الصغيرة الجائزة الذهبية في مسابقة «هذه حكايتي» التي أطلقتها مؤسسة «وثيقة وطن» عام 2019.
شهدت حنين اقتراب الاشتباكات من قريتها ومع غياب والدها عن القرية قامت والدتها بترك رسالة تكشفها الكاتبة «الطفلة» ما شكل لديها صدمة قاسية فكانت المحفز لكتابة تفاصيل حكايتها.
شخصيات الحكاية كما قدّمتها الكاتبة هي زوجة مقاتل في الجيش العربي السوري برتبة مقدم مظلي يدعى نبيل عيسى القبة يقود حاجز الغزل في مدينة إدلب وطفلة عمرها 8 سنوات وهي حنين وطفل عمره 6 سنوات يدعى عيسى.
واستعرضت حنين في بداية الحكاية تساؤلاتها كطفلة عن الحرب والقتل وحمل السلاح ليكون جواب والدها لها: «نحن ندافع عن أرضنا، هم الذين جاؤوا من كل البلدان للاعتداء علينا، لم نكن أبداً معتدين على أحد ولم ندخل أوطاناً غير أوطاننا، ولم نسرق حلم أطفالهم، جاؤوا ليقتلوا كل شيء جميل في وطننا لذلك نواجههم ونبذل دماءنا وأرواحنا في سبيل الحفاظ على عزة الوطن وكرامته».
وتابعت حنين: «في لحظة ما أيقظتني دمعة والدتي سقطت من عينيها وهي تودع والدي للمرة الأخيرة وهو يهمس في أذنها استودعك أمانة عمري وحلم حياتي وظلي بينكم وروحي التي أدفعها بكل محبة لتبقى البسمة في عيونكم وتزهر أمانيكم».
وروت حنين: «وعند الوداع قبلنا والدي ومسح دمعة أمي وتلاشى طيفه في الضباب، متجهاً إلى وحدته العسكرية في مدخل مدينة إدلب التي أصبحت جزءاً منا فكل ما يسعدها يسعدنا وكل ما يؤلمها يؤلمنا ويحرق قلوبنا، لأن فيها حلمنا وأملنا».
الأحداث التي تعرّضت لها حمص وما تعرضت له قريتها كان له حيز من حكاية حنين، حيث قالت: «حز قلوبنا صوت الانفجارات القادمة من مكان تواجد المسلحين في جبل البلعاس وجب الجراح، لنعلم بعد حين أن القذائف استهدفت مدرستنا فلا دراسة بعد اليوم، وخاصة بعد أن علمنا أن بعض التلاميذ استشهدوا، وأصيب آخرون وفي تلك الأيام تداخل الزمن مع الأحداث ولم نعد نعرف البداية من النهاية».
وأشارت حنين إلى أن فكرة الرحيل عن القرية راودت سكانها إلا أنه بعد العديد من المشاورات قرّر الأهالي البقاء والصمود، لأن هذه الأرض هي أرضهم ولن يتركوها للغربان وسيدافعون عنها للنهاية، على الرغم من اقتراب أصوات الانفجارات والرعب الذي انتشر بين الجميع الصغار والكبار.
تصاعدت وتيرة أحداث حكاية «السقيفة» عندما تحدثت حنين عن غياب والدتها زمناً متجهة إلى الصيدلية، لتعود بعلبتي حبوب خبأتهما أعلى الخزنة مع زجاجة عصير فتوقعت أنها تعد لها ولأخيها مفاجأة كعادتها في المناسبات ليحلم الصغيران بالعصير، لتمتلئ الشوارع في اليوم الثاني بسيارات المغادرين والمقاتلين، وتخرج والدتها لإحضار بعض الطعام المتوافر وإن كان قليلاً، وعندها كانت الطفلة الصغيرة تبحث عن بعض الملابس لتسقط بيدها ورقة كتبت بخط والدتها.
وقالت حنين: تلك الورقة كتب فيها «إذا وصل المسلحون إلى المنزل لن يدخلوا إلا على جثتي، أما الصغار فإني أعطيهم منوماً ستجدونهم في السقيفة خبأتهم بين الأمتعة والأغراض خوفا عليهم»، موضحة أنها كتبت رسالة على الهاتف الخليوي لوالدها أيضاً بالموضوع نفسه لكي يأتي وينقذهم».
حفرت عبارات الرسالة في أعماق ذاكرة حنين ما دفعها لكتابة حكايتها وتفاصيلها لتتابع: «عندما وصل خبر إصابة والدي على حاجز الغزل في محافظة إدلب بعدما هاجمها آلاف المرتزقة المدعومين من تركيا، استبسل رجال جيشنا البواسل المرابطون على الحواجز في الدفاع عن المحافظة ريثما يتم إخلاء ما تيسّر ممن بقي في المحافظة من القوى الأمنية والمدنيين إلى قرية المسطومة، وتتالت الأخبار أن قائد المجموعة في حالة خطرة».
وأشارت إلى أن جموع الزوار بدأت تزداد حول منزلهم وزاد الصخب واختلطت لديها الأمور ليكون ذلك تمهيداً لإعلان استشهاد والدها وجميع مَن كان معه من مقاتلين ليزف شيخ المسجد الخبر للقرية، ودخل إلى منزلهم صندوق خشبي ملفوف بعلم سورية يرقد فيه والدها مبتسماً، وكأنه يقول لها بحسب تعبيرها: «لقد دافعت في إدلب عن حمص وكل سورية لكي تعيشوا بسلام مرفوعي الرأس».
وبينت حنين أنه لم يمض عام حتى تتالت قافلة الشهداء من عائلتها فاستشهد عمها المقدم نجد القبة وعمها الملازم رامي القبة، وأصبح جدها عيسى القبة «أبو نبيل» أيقونة الشهادة وشيخ البطولة في المخرم حيث لقب «أبو الشهداء».
وختمت حنين حكايتها قائلة: «ولم نزل حتى اليوم عندما تطفأ الأنوار ويخلد الناس للنوم يبقى منزلنا مضاء بثلاث شموع تتلألأ على صوت «أبو نبيل» وهو يصلي ويدعو للشهداء وفي السماء ثلاث نجوم تنير دروب القرية إلى غد مشرق معمّد بدماء الشهداء يخط درب أبنائها نحو النصر المؤزر».
وعن سبب كتابة ما عاشته والمشاركة في جائزة «هذه حكايتي» قالت حنين في تصريح للإعلام إنها أرادت توثيق معاناة الحرب وتبعاتها القاسية عليهم والتي لم تسمح لهم بعيش تفاصيل طفولتهم التي سرقت منهم عنوة، لافتة إلى أنها تمارس الكتابة منذ طفولتها حتى أنها تعمل على كتابة مذكراتها بشكل يومي.
شغفها بالكتابة مكنها أيضاً وبتشجيع من عائلتها من المشاركة في مسابقة أقامتها وزارة الثقافة لأبناء وبنات الشهداء عام 2022 لتحصل بذلك على الجائزة الأولى لفئتها العمرية عن قصة «بوح الأمواج»، كما حازت هذا العام الشهادة الثانوية بتفوق.
يذكر أن مؤسسة وثيقة وطن أطلقت جائزة «هذي حكايتي» لأول مرة في صيف عام 2019، لنشر الوعي بأهمية التأريخ الشفوي، وإغناء الأرشيف الوطني المعرفي بالروايات الشفوية الواقعية التي شهدها كتابها بأنفسهم، كما أن المؤسسة مستمرّة في استقبال قصص الجائزة لعام 2023 إلى غاية الـ 31 من آب الحالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى