أولى

إنّي أتّهم…!

‭}‬ د. عدنان منصور*
في 31 آب 2022، من العام الماضي أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2650، القاضي بتمديد عمل قوات اليونفيل في جنوب لبنان، مع تعديل على القرار السابق الذي يعطي حرية التنقل للقوات الدولية من دون إذن مسبق، وهذا ما رفضه لبنان في ما بعد، وبعد فوات الأوان.
مندوبة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي، سبق لها أن أبلغت مسبقاً الجهة الرسمية اللبنانية، وهي وزارة الخارجية، مشروع القرار المعدّل. ومن البديهي أن يقوم وزير الخارجية اللبنانية في ضوء كتاب السفيرة الذي تضمّن مشروع قرار مجلس الأمن، برفعه إلى المراجع العليا، رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، لاتخاذ موقف لبناني موحّد حيال التعديل المقترح.
لم نسمع حينها من السلطات العليا، أيّ موقف حازم وصريح إزاء ما تعدّه جهات دولية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا).
ولم نرَ تحركاً فاعلاً او اهتماماً بالغاً من قبل المسؤولين، لجهة التعديل الذي يُلحق الأذى بلبنان وسيادته واستقرار جنوبه.
مَن المسؤول عن الصمت اللبناني الذي رافق عملية التعديل؟! ولماذا لم يقُم حينها رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية بالتحرك سريعاً، والتواصل مع الدول المعنية للحؤول دون السير في مشروع القرار الأمميّ المعدّل، وإبداء التحفظ عليه نظراً لما قد ينجم عنه من مضاعفات سلبية لبنان بغنى عنها؟!
لماذا لم تقم السلطات العليا المعنية، بالتواصل مع سفراء الدول الكبرى الممثلة في مجلس الأمن، والمعتمدين في لبنان، لإطلاعهم على موقف الدولة اللبنانية، وتمسكها بالقرارات السابقة، دون تعديل عليها!
لماذا آثر المسؤولون المعنيون الإهمال والصمت المتعمّد، ولم يتابعوا بجدّية مشروع القرار، رغم إلحاح ومراجعات البعثة المتكررة في نيويورك لتزويد البعثة بالتعليمات الواضحة الصريحة، ولم يقوموا بعمل فعّال على الأرض، يحول دون تمرير القرار 2650.
لماذا؟! وما هي الأسباب الخفيّة كي يمرّ القرار الأممي دون مبالاة، وبصمت لبناني مريب؟! وما هي الضغوط التي أجبرت كبار المسؤولين عن ملف مشروع القرار، للتغاضي عنه بشكل او بآخر، ليمرّ مرّ الكرام وكأنّ على رؤوسهم الطير؟!
في 31 آب 2023، بعد عام من رخاوة وميوعة موقف الحكومة اللبنانية في هذا الشأن (الذي كان مدروساً بدقة وعناية، إرضاء وتلبية لطلب الدول الضاغطة) والذي أتاح تمرير القرار بسهولة عجيبة، اندفعت هذه الدول في ما بعد، لتفرض المزيد من القيود على لبنان حكومة وجيشاً، والذهاب بعيداً للعمل على توسيع صلاحيات اليونفيل.
منذ العام الفائت كان على الحكومة والمسؤولين أن يتداركوا الأمر لما ستحضّره دول كبرى في مجلس الأمن من تعديلات جديدة، وإعطاء صلاحيات أوسع لقوات اليونفيل. وللأسف، كان التعاطي اللبناني هزيلاً، ومتواضعاً، لا تأثير له، ولا فعالية. وهذا ما يثير علامات استفهام حول نيات، وأداء، ومواقف البعض في لبنان، وداخل السلطة، حيال مسألة وطنية أمنية حساسة، وتعمّد البعض الآخر عدم رفع الصوت عالياً حتى لا يغضب من لا يجب إغضابه!
القرار الأمميّ الجديد رقم 2695 الصادر عن مجلس الأمن في 31 آب 2023، ينتقص ولا شكّ من السيادة اللبنانية، ويدفع الى تأجيج الوضع في جنوب لبنان، بدلاً من تهدئته. كما يترتب تحرك قوات اليونفيل دون التنسيق المسبق مع الجيش اللبناني المزيد من الحساسيات والتوتر في المناطق التي تتواجد فيها.
هذا القرار الأمميّ الجديد، يتحمّل مسؤوليته كلّ الذين تماهلوا، وتمنّوا ضمناً تمريره، ولم يتصدّوا له، مهما حاول البعض فذلكة الأمور، والدفاع عن موقفه الهش، وإعطاء صكّ براءة للذين كانوا وراء القرار، والتزموا الصمت حياله برضاهم أو رغماً عنهم، وفي كلتا الحالتين هما أمران أحلاهما مرّ.
إنّي أتهم كلّ الذين صمتوا برضاهم، او رغماً عنهم، وكل الذين تقاعسوا عمداً، وتجاهلوا علناً، وتواطأوا سراً، وباركوا طوعاً تمرير القرار الأممي وتعديلاته. إنّهم بذلك يثبتون للملأ أنهم لا يؤتمنون على وطن، ولا على قضاياه، ولا على سيادته، وأرضه وحقوق شعبه، ويثبتون للعالم كله حقيقة دامغة مؤلمة لدولة بحاجة الى قادة ورجال!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى