أولى

الكلمة زلزلت الظالم…

‭}‬ د. محمد سيد أحمد
نتابع للأسبوع الثاني على التوالي عملية طوفان الأقصى، وفي مقال الأسبوع الماضي أكدنا على أنّ عدم قدرتنا على المشاركة الميدانية بجوار المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة لا يعني الجلوس متفرّجين. فالواجب الوطني والقومي يحتّم علينا المشاركة ولو بالكلمة، سواء كانت مكتوبة أو منطوقة، والكلمة خلال المعركة الدائرة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني لا تقلّ أهمية عن البندقية والمدفع والصاروخ. فالكلمة هي أحد أهمّ الأسلحة التي تستخدمها وسائل الإعلام القديمة والحديثة، ولم يعد خافياً على أحد بأنّ حروب الجيل الرابع والخامس تستخدم الجنرال إعلام كسلاح تقوم من خلاله بتزييف وعي الرأي العام العالمي حول الأحداث المختلفة…
وأثناء هذه الحرب الدائرة الآن على الأرض العربية الفلسطينية، يحاول الإعلام الغربي الذي يسيطر عليه العدو الصهيوني تزييف وعي الرأي العام العالمي بتصوير المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن أرضها بأنها تمارس الإرهاب ضدّ قوات الاحتلال الصهيوني المغتصب للأرض الفلسطينية منذ ما يزيد على قرن من الزمان، وما يفعله جيش الاحتلال من إبادة جماعيّة لشعب بكامله هو دفاع شرعي عن النفس، وهنا كان لا بدّ من الانخراط في هذه الحرب عبر كلّ المنابر الإعلامية المحلية والإقليمية والدولية، التي تسمح لنا بالظهور عليها.
وقبل الحديث عن ضرورة وحتمية المشاركة في المعركة على المستوى الإعلامي، يجب التأكيد على أهمية الكلمة وتأثيرها. فالكلمة مسؤولية وشرف.
وهنا يمكن الاستشهاد بأروع ما كتب عن الكلمة في حوار بين الوليد بن عتبه رسول يزيد بن معاوية للإمام الحسين بن علي من أجل أخذ البيعة، وذلك في مسرحية «الحسين ثائراً» التي كتبها عبد الرحمن الشرقاوي، حيث اعتبر الوليد البيعة مجرد كلمة فجاء ردّ الحسين: «أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة في كلمة، دخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة، الكلمة لو تعرف حرمة، زاد مذخور، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشريّ، الكلمة فرقان بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور، ودليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة، أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين، فساروا يهدون العالم، الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية، إنّ الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة».
إذا كانت هذه هي الكلمة فعلى من يخرج الآن على وسائل الإعلام أن يدرك مسؤولية الكلمة التي يكتبها أو ينطقها، وعليه أن يتحرّى الدقة في ما يكتب وينطق، وعليه أن يدرك أنّ معركتنا مع العدو الصهيوني ليست بالسهلة، فقد قام هذا العدو بتزييف وعي أجيال وأجيال في وطننا العربي وحول العالم بحقيقة القضية الفلسطينية، فاختلط الحابل بالنابل في كثير من الأحيان، وغابت الحقيقة، وتمكن العدو الصهيوني من فرض وجوده غير الشرعي، ليس فقط عبر الآلة العسكرية التي يمتلكها ويبيد بها شعبنا العربي الفلسطيني، بل عبر الآلة الإعلامية، والآلة السياسية والدبلوماسية، فوجدنا مَن مدّ يده ليصافح العدو ويعترف بوجوده، ووقع معه اتفاقيات للسلام والتطبيع المزعوم، وبدأنا نسمع كلمات مثل «الأرض مقابل السلام» و»حلّ الدولتين»، واختفت كلمات «الكيان الإسرائيلي» و» العدو الصهيوني»، لذلك تجب مراجعة الكلمات المستخدمة عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويجب ضبط اللغة التي نتحدث بها ولندقق في كل كلمة نكتبها أو ننطقها في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وقد كان لي شرف المشاركة في عملية طوفان الأقصى بالكلمة، وبشكل يومي ولعدة ساعات عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وكنت دائماً ما أحرص على الكلمة وأعرف جيداً كيف تصوّب تجاه الهدف، لكن لم أكن أدرك حجم تأثيرها، حتى ساقتني الأقدار لمواجهة عبر قناة «روسيا اليوم ـ RT» في مواجهة مع محلل سياسي صهيوني، وفي البداية كنت متردّداً في الظهور وسألت بعض الأصدقاء، وكانت النتيجة أنّ البعض رفض ظهوري في برنامج واحد مع هذا الصهيوني، والبعض الآخر أكد أهمية الظهور وعدم ترك الساحة خالية أمامهم خاصة أنّ المعركة الإعلامية هامة للغاية في هذه الحرب، ودعم هؤلاء موقفهم بأنني لن ألتقيه مباشرة بل عبر شاشة أنا من القاهرة وهو من تل أبيب، وأنك ستظهر لتلقنه درساً وتكشف زيف ادّعاءاتهم أمام الرأي العام العالمي. وبالتالي المواجهة هي حرب بيني وبينه وسلاحنا هو الكلمة، وبالفعل اقتنعت بوجهة النظر الثانية، وأعددت العدة للمواجهة وأكدت في بداية المواجهة على زيف وكذب وخداع العدو، وأبرزت أنّ هذه الأرض مغتصبة ومحتلة من العدو الصهيوني منذ سبعة عقود ونيّف، وما تقوم به المقاومة الفلسطينية الآن هي محاولة لتحرير التراب الوطني الفلسطيني وهو فعل مشروع وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية، وأنّ العدو الصهيوني ليس له أيّ حق في هذه الأرض وعليه أن يحمل أمتعته ويرحل من حيث آتى، وهنا جنّ جنون الصهيوني وبدأ في السبّ والشتم، وتهاوت قدرته على الردّ، وبدأ يهدّد بأنّ جيش الاحتلال سوف يقتل ويبيد كلّ من يعارضه، وأنهم لا يعترفون بالسلام، وبأنّ أميركا والغرب جاؤوا ليدافعوا عنهم ويساعدوهم في تأديب كلّ الدول الداعمة للمقاومة الفلسطينية، وكنت أترك الصهيوني يتحدث وعندما يأتي دوري أوجه الكلمات كالسهام لأوضح عدالة قضيتنا، وقبل انتهاء المواجهة انسحب الصهيوني بعد أن انهار تماماً ولم تعد لديه قدرة على مواصلة النزال…
هنا أدركت تماماً أهمية الكلمة، والحرب بالكلمات والتي أكدت في نهايتها أنّ المقاومة ولدت لتبقى وتنتصر، وأنّ ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وأن فلسطين لن تتحرر إلا بالبندقية والمدفع والصاروخ، وليعلم الجميع أنّ فلسطين كلّ فلسطين عربية من البحر إلى النهر، ولا وجود فيها لصهيوني، وعلى المستوطنين الصهاينة أن يرحلوا ويعودوا من حيث أتوا، اللهم بلغت اللهم فاشهد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى