أولى

ماذا يريد العدو الصهيوني؟

‭}‬ د. محمد سيد أحمد
نواصل الحديث اليوم عن العدو الصهيوني، الذي لا يزال يمارس إجرامه في حق الشعب الفلسطيني، وتقوم آلته العسكرية الاحتلالية المجرمة بارتكاب أبشع جرائم الحرب والإبادة لسكان قطاع غزة، حيث يتمّ قتل كلّ ما هو حي، وهدم الحجر، وحرق الشجر، وذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ذلك العالم الذي مات ضميره وشيّعت جنازة هذا الضمير ودفنت إلى غير رجعة، ونحاول التعرّف إلى ما يستهدفه العدو الصهيوني من الصراع معنا، وذلك من خلال الإضاءة على بعض الحقائق التي تشكل العقيدة الصهيونية، والتي تغيب عن الغالبية العظمى من الرأي العام العربي، ويجهلها الكثير من الحكام العرب، ويتغافل عنها ويغمض عينيه بعض من يعرفونها، إما خوفاً او تواطأً أو تآمراً.
وفي البداية لا بدّ من التأكيد على أنّ العدو الصهيوني لا يتحرّك بشكل عشوائي، ولا كردّ فعل كما يتصوّر البعض من ناحية، وكما يصوّر هو ذلك للرأي العام العالمي. فالعدو الصهيوني عندما وقع اختيار قادته الأوائل على أرض فلسطين لتكون وطنهم المزعوم، كانوا يخططون لأبعد من الحدود التي رسمتها هيئة الأمم بقرارها الظالم رقم 181 في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين الانتدابية – الواقعة تحت الانتداب البريطاني – إلى دولتين واحدة يهودية وأخرى عربية، وذلك بناءً على توصية لجنة بيل في عام 1937 وفي أعقاب التوصية كتب ديفيد بن غوريون رسالة لابنه يقول فيها «إنّ التقسيم سيكون مقبولاً ولكن كخطوة أولى. هذا بسبب أنّ هذه الحيازة المتزايدة ليست ذات أهمية في حدّ ذاتها فحسب، بل لأنه من خلالها نزيد من قوتنا، وكلّ زيادة في القوة تساعد في حيازة الأرض ككلّ، إنّ إقامة الدولة حتى لو كانت فقط على جزء من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوّتنا في الوقت الحالي، ودفعة قوية لمساعينا التاريخية لتحرير البلد بأكمله». ويلاحظ هنا أنّ بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني يتحدّث عن كيان كبير يتجاوز ما حصلوا عليه في القرار 181 الذي أعلنوا من خلاله قيام دولتهم المزعومة في 15 مايو/ أيار 1948، فما هي حدود وطنهم المزعوم؟!
يمكن التعرّف على ذلك من خلال العبارة التوراتية المزعومة المنقوشة فوق باب الكنيست الإسرائيلي والتي تقول «ولما تجلّى الرب على إبراهام منحه الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات»، وتؤكد المناهج الدراسية للطلاب داخل الكيان الصهيوني هذا الاعتقاد «في ذلك اليوم عقد الله ميثاقاً مع أبرام قائلاً: سأعطي نسلك هذه الأرض، من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات، أرض القينيين، والقنزيين، والرفائيين، والأموريين، والكنعانيين، والجرجاشيين، واليبوسيين»، ويُشار إلى «إسرائيل» الكبرى المزعومة كما يؤمن أنصار العقيدة الصهيونية بأنها أرض الميعاد كما أشار الرب في سفر التكوين ١٥: ١٨-٢١ حيث يحتوي التناخ (العهد القديم من الكتاب المقدس) على ثلاثة تعاريف جغرافية لأرض «إسرائيل» أهمّها ذلك التعريف الذي يحدّد الأرض التي أعطيت لجميع أبناء إبراهيم، بما في ذلك إسماعيل وزمران ويقشان ومديان، وهو يصف مساحة كبيرة «من جدول مصر إلى نهر الفرات»، التي تضمّ كلّاً من الأراضي المصرية الواقعة شرق نهر النيل وكلّ الأراضي الفلسطينية ولبنان وسورية والأردن والعراق، وكذلك الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان واليمن ومعظم تركيا، وهذا الفهم برز في مشروع مؤسّس الصهيونية العالمية تيودور هيرتزل عام 1904 الذي أعلن صراحة «أنّ حدود دولة «إسرائيل» تمتدّ من نهر مصر إلى الفرات».
وجاء بن غوريون لينفذ المخطط الصهيوني كما أسلفنا، حيث أكد أنهم سوف يسعون لتحرير وطنهم المزعوم بأكمله، وهو بذلك يعتبر سكان هذا الوطن الكبير محتلين ويسعى جيش الكيان الصهيوني لمحاربة الاحتلال حتى التحرير، لذلك ما تقوم به عصابات العدو الصهيوني الآن في غزة جولة من جولات التحرير المزعومة والمدعومة عقائدياً، لذلك فهذا العدو يعتبر صراعنا معه صراع وجود وليس حدود، لذلك سوف يفعل ببقية الدول المحدّدة في «إسرائيل» الكبرى كما يفعل بسكان غزة الآن خاصة من يحاول المقاومة، ذلك لأنّ بن غوريون تنبأ منذ زمن بعيد بأنّ هناك دولاً سوف تستسلم دون حرب أو مقاومة، فأثناء الاجتماع التنفيذي للوكالة اليهودية في يونيو/ حزيران 1938 قال بن غوريون «سنحطم هذه الحدود التي تفرض علينا، وليس بالضرورة عن طريق الحرب، أعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بيننا وبين الدولة العربية في مستقبل غير بعيد»، وبالطبع كان يقصد ما عُرف بالسلام المزعوم عبر كامب ديفيد، ثم أوسلو، فـ وادي عربة، وأخيراً الهرولة الخليجية عبر التطبيع، لكن يجب أن يعي الجميع أنّ هذا العدو لديه مخطط عقائدي شيطاني يسعى لتحقيقه، ولن يحيد عن مشروعه خاصة أنّ القوى الاستعمارية الأكبر في العالم اليوم تدعمه ومستعدة لإبادة كلّ من يقف في مواجهته، فهل تدرك الشعوب العربية حقيقة المآزق الراهن، وتدق ناقوس الخطر لكي يفيق الحكام من غفوتهم، ويهبّوا لنجدة غزة المغدورة، قبل أن يأتي الدور على أراضيهم التي تدخل في نطاق «إسرائيل» الكبرى التي يسعى العدو الصهيوني لتحريرها، اللهم بلغت اللهم فاشهد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى