تدمر… والفجر الجديد
نظام مارديني
بدأت دمشق خطواتها الأولى للإعلان عن نصرها على الإرهاب وداعميه.. تدمر لؤلؤة الصَّحراء السورية التي ظهر اسمها للمرة الأولى على مخطوطة يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد هي نقطة الضوء الأولى باتجاه استعادة مناطق الشرق من «داعش»، مثلما كانت حلب هي مسار استعادة مناطق شمالية كانت البوابات التركية خزان التنظيمات الإرهابية التي عاثت ذبحاً وفساداً ونكاحاً «شرعياً».
ورغم أن المعركة التي يُجريها الآن الجيش السوري وبمساندة من حشد شعبي وفصائل مقاومة نسور الزوبعة واحدة منهم تستحقّ العناء، ما يشير إلى أن الطريقة المثلى للنصر على «داعش» تستلزم محاكاة استراتيجياته وتكتيكه العسكري. من هنا يحتاج الجيش السوري إلى الالتزام بشدة في اللعبة الكبرى القائمة على أرضه، فلا يكتفي برؤية التهديد الذي يشكله «داعش» بل ينظر كذلك إلى مدى تقدم أو تراجع داعمي هذا التنظيم الإرهابي التكفيري. وهذا بدوره يشكل أحد أكبر التحديات المقبلة، وربما هو صعب جداً في ضوء مفاوضات جنيف القائمة.
لقد تطلبت الساعات الأخيرة لمسات تكتيكية وتنظيمية للجيش السوري لكي يكشف أن «داعش» ليس أكثر من فزّاعة جرى تضخيمها من خلال اتباع أسلوب المجازر، وهو الأسلوب نفسه الذي اتبعته العصابات اليهودية في فلسطين المحتلة في أربعينيات القرن المنصرم. هو قوّة هلامية تُكسر، ولا شك في أن أهمية انتصار تدمر ستجعل من هزيمة «داعش» بداية لمرحلة انكسارات أخرى.
باستعادة تدمر تكون سورية قد استعادت روحها وطهّرتها من دنس المشروع الجهنمي الذي كان يستهدف، بالأساس استقلالنا القومي عن طريق تدمير وتقسيم سورية فيدراليات، واليوم بات واضحاً أن العالم الذي طاله الإرهاب عاد يعترف ليس فقط بشرعية الدولة السورية، وإنما أيضاً بقدرة السوريين على التحدّي وكسب الرهانات الصعبة، بهدف الانتصار لحكمة التاريخ ولطبيعة الجغرافيا ولعبقرية المكان.
تحرير تدمر اليوم هو الأمر الأكثر إيضاحاً في تثبيت حقيقة الانتصارات وبداية التقهقر الكبير لـ «داعش»، حيث تُعدُّ استعادتها ذات أهمية كبيرة للدولة السورية وعنواناً لفجر جديد، ستفتح الباب أمام التقدم نحو مدينتي دير الزور والرقة والبادية عامة.
يمكن القول إن اللعبة انتهت بالنسبة لأدوات أميركا والغرب في سورية ولم يعد باستطاعة أحد الاختباء وراء «المعارضة المعتدلة» وقد دخل إرهاب هذه «المعارضة» غرف نومهم، ما يؤكد لهم أن من يخبئ العقرب داخل جيبه عليه أن يتوقع لسعته، كما حدث في فرنسا وتركيا وبلجيكا مؤخراً، وهو ما سيغيّر في ميزان التحول الدولي للأزمة السورية.
أما من لا يزال يراهن على «ثورة» الجماعة الإرهابية فلا عزاء له، وما عليه إلا البحث عن سلم للنزول من على الشجرة التي ورط نفسه بالصعود إليها نتيجه الاندفاع اللامحسوب والعمى الإستراتيجي.
والسؤال الآن هل سيلقى خطاب النصر على الإرهاب من تدمر لرمزيتها الحضارية والتاريخية، وهو سيكون ثأراً للعالِم خالد الأسعد؟