أفضل الأعمال المقاومة
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
إذا كان المسلمون يصومون في هذا الشهر فلأنّ الصيام في عمقه وجوهره تثبيت للإخلاص. الإخلاص في العلاقة مع الله وما إذا كانوا صادقين بالتزامهم بتنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه. الأوامر والنواهي التي فيها صلاح الإنسان وسعادته واستقراره وعيشه الكريم.
فعلى سبيل المثال، إنّ الله سبحانه وتعالى دعا المسلمين إلى أن يكونوا إخوة بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ إلا أنهم يتعاملون مع بعضهم البعض كأخصام وأعداء. ودعاهم ليكونوا أهل إنفاق وإحسان لكنهم أشحاء بخلاء على بعضهم البعض ما أدّى إلى انتشار الفقر والحرمان والجوع في معظم بلدانهم.
ودعاهم للاعتصام بحبله ولكنهم معتصمون بحبال شتى. ودعاهم لئلا يتخذوا بطانة من دونهم ولكنهم يستعينون بكلّ جبار فاجر ومعتدٍ أثيم.
ودعاهم ليأخذوا حذرهم من الأعداء ولكنهم إما متقاعسون أو غافلون. ودعاهم إلى الرباط في مواجهة أهل الباطل والمستكبرين لكنهم يتعللون بالأوضاع الدولية تارة والتعقيدات الاقتصادية الأخرى وغير ذلك من الذرائع.
كلّ ذلك والله فرار من المواجهة التي وإنْ كانت تحمل المشقة عن الانخراط فيها لكنها تحمل الأمل والمستقبل والعزة للاجيال القادمة.
ولنا في فلسطين أمثولة.
فماذا فعل المسلمون لفلسطين حتى الساعة؟ فهل منظمتهم العتيدة دعت إلى اقتلاع «إسرائيل» من الوجود وتحرير فلسطين وأهلها ومواجهة غطرسة الصهاينة واحتلالهم للأرض وتدنيسهم للمقدسات.
أم أنها فعلت ما ينافي الحمية والاستقامة والنبل فذهبت إلى تسويق تسوية مذلة مع الصهاينة!
ماذا رأينا من المسلمين في قضية فلسطين غير الخذلان والجبن والتراجع واللامسؤولية، وحين دعاهم الإمام الخميني الراحل إلى جعل آخر جمعة من شهر رمضان يوماً للقدس العالمي بدأت المؤتمرات تُحاك والحصار يُطبق على كلّ من يشارك في هذه الدعوة وصولاً إلى اللحظة الحالية حيث العمل المنظم للمقاطعة لأنّ مصدر الدعوة جهة شيعية!
نعم الإمام الخميني عندما دعا إلى هذه الدعوة كان يريد أن يحطّم جدار الخوف واليأس ويعيد اللحمة إلى المسلمين ويوجه أنظارهم إلى أهمّ قضية في العصر الحالي، هي قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، ويوّجه جهودهم لإزالة السرطان الصهيوني الذي ضرب مناعة الأمة ووحدتها وسلامها واستقرارها وتقدّمها.
إنّ الإمام عندما دعا لإزالة «إسرائيل» من الوجود إلا لأنّه كان يعلم أننا إنْ لم نفعل ذلك فإنّ جرائم السبي وأكل الأكباد وقطع الرؤوس آتية لا محالة.
كان يدرك ببصيرته الثاقبة أنّ الطريقة الوحيدة لإعادة فلسطين وإيقاف مسلسل الظلم المتمادي هو في اجتثاث هذا الكيان من الوجود.
لم يفهم المسلمون لماذا الصوم؟ لم يفهم المسلمون أنّ الصوم هو مقاومة للجزع والخوف والترهّل والنفاق، أنّ الصوم هو الدفاع عن المظلومين ومواجهة المستكبرين، أنّ الصوم هو الوسيلة التي من خلالها يستطيع المؤمن الحقيقيى قول لا لنفسه الضعيفة وقول لا لمجتمع مفكك لا مبالٍ وقول لا لكلّ ظالمٍ ومعتدٍ يريد إشاعة الفتنة وتحويل كلّ بناء إلى ركام.
الصائمون الحقيقيون هم من يدافعون عن شرف فلسطين بالعمل والثبات والرباط هم من يدافعون عن سورية والعراق واليمن في وجه أميركا و«إسرائيل» وأنظمة العمالة هم من يدافعون عن أصالة الإسلام في وجه مذاهب الفتنة والتفريق والدموية وعلى رأسها الوهابية .
هم الشابان اللذان نزلا إلى مقاهي تل أبيب ليقولا للاحتلال: فلسطين باقية و«إسرائيل» إلى زوال وهم كلّ حرّ ولو لم يكن مسلماً يدافع عن القيم السماوية والحق والمقدسات. الصائمون الحقيقيون هم من يعرفون أنّ أفضل الأعمال المقاومة .