هل نحن أمام فيديرالية كردية في العراق؟
هدى رزق
سارعت قوات البشمركة الكردية بعد أن سيطرت داعش على الموصل إلى وضع يدها على مدينة كركوك، أثار الأمر حفيظة الحكومة العراقية. رأت كردستان أن ما حدث ليس إلا تصحيح للخطأ وتطبيق واقعي للمادة 140 من دستور 2005 التي نصت على إجراء إحصاء في كركوك يعقبه استفتاء حول رغبة سكان المدينة في البقاء ضمن الجزء العربي من العراق أو الانضمام إلى كردستان، وهو أمر لم يتم. لا يميل الأكراد كثيراً إلى الوثوق في العرب السنة منذ الهجوم على حلبجة بالغاز السام في 1988، وهم رأوا في سيطرة داعش إضعافاً للسلطة المركزية العراقية.
ظهرت بوادر الاستقلال الكردستاني بوضوح من خلال سياسة الإقليم النفطية التي نجحت في اجتذاب الشركات العالمية مثل إكسون موبيل وتوتال بعقود مغرية خصوصاً الاتفاق النفطي الأبرز بين شركتي إكسون موبيل عملاق النفط الأميركي وشركة الطاقة التركية، الذي بموجبه حصلت الشركة التركية على 20 في المئة من حصص إكسون في «إقليم كردستان» التي تشير إلى رغبة الشركة الأميركية في تأمين تصدير النفط الكردي عبر الأنبوب التركي على رغم معارضة الحكومة العراقية السابقة، وهو الاتفاق الذي توافق عليه الولايات المتحدة بشكل غير معلن.
أثار تقدم داعش نحو أربيل عاصمة الإقليم بلبلة، ما اضطر البشمركة إلى الدفاع عن الإقليم من دون التورط العسكري خارجه. طلبت المساعدة من الغرب الذي سارع بدوره إلى تلبية الطلب وتقديم السلاح بل والمشاركة الأميركية العسكرية في الحرب ضد داعش. تبدو الأمور للوهلة الأولى وكأنها مرسومة، لقد تهاوت البشمركة قبل وصولها الى سنجار. تدخلت قوات وحدات حماية الشعب الكردية في سورية، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها مقاتلون أكراد من المناطق الكردية في العراق وسورية وإيران وتركيا على أرض سنجار للقتال معاً في خندق واحد. بدت المعركة وكأنها حرب للسيطرة على المناطق والهوية، لقد تدفق الأكراد على جغرافية لطالما اعتبروها حقاً تاريخياً لهم قبل سايكس بيكو التي أزيلت من قبل داعش قبل الأكراد.
أوقف التعاون بين أربيل وبغداد والإدارة الأميركية سيطرة التنظيم على أغلب مناطق سهل نينوى وقضاء سنجار وزمار وسد الموصل وجلولاء. اندفع الغرب لنجدة أربيل لمواجهة داعش وأتبع ذلك بدعم بريطاني وفرنسي وألماني، ثم قرار أوروبي بتسليح الإقليم، وقبل ذلك قرار دولي تحت رقم 2170 يقضي بمحاربة إرهاب داعش. كما يتعلق الأمر بحماية المصالح النفطية وامتيازات شركات النفط الأميركية واستثماراتها الضخمة في الإقليم وبحماية الوجود العسكري الأميركي المؤلف من آلاف عدة من الأميركيين في أربيل.
يشكل هذا التدخل مساراً دبلوماسياً لرسم خريطة سياسية جديدة في العراق، ويفتح الباب مجدداً لتعاون أميركي مع الدول الإقليمية بشأن المستقبل السياسي للعراق.
لقد أمن هذا التدخل الغطاء الجوي لقوات البشمركة وتسليحها بأسلحة متطورة كماً ونوعاً، بعد أن منعت بغداد ذلك خلال السنوات الماضية. وقادت هذه العوامل مجتمعة إلى توطيد المصالح المشتركة بين الإقليم والغرب.
سمح التدخل العسكري إذاً بإعادة ترتيب المشهد السياسي في العراق، لحل الخلافات بين بغداد وأربيل. كذلك لإعادة تحقيق نوع من التوازن الشيعي ـ السني. فهل وقعت داعش في فخ التوسع أم أن الأمر كان مرسوماً؟ ما يذكرنا بغض الطرف من قبل الإدارة الأميركية في تسعينات القرن الماضي عن توسع صدام حسين في الكويت، فكان التدخل الغربي بشكل دول التحالف الذي حمل اسم حرب «عاصفة الصحراء» الذي غير وجه العراق.
لقد أتاح التدخل العسكري فرصة لواشنطن لكي تفرض حلولاً تراها مناسبة على القوى الإقليمية. لا يستبعد كثيرون أن يكون الهدف الأميركي من التدخل السريع في الأحداث هو توجيه ضربة للنفوذ الإيراني في العراق وزيادة التعاون العسكري مع بغداد وأربيل، والتمهيد لتغيير سياسة العراق اتجاه سورية. حددت هذه الضربة لداعش جغرافية وجوده في العراق وجعلت وجهة سلاحه ومقاتليه شمالاً نحو الأراضي السورية.
كل ذلك يعني نجاحاً لـ «إقليم كردستان» في فرض شروطه على بغداد أو يمكن أن يكون حتى معبراً نحو الاستقلال. مع العلم أن الولايات المتحدة تفضل «الفدرلة» كأنموذج لتسوية المشكلة العراقية. وتميل إلى تعزيز سلطة الإقليم من دون أن يؤدي ذلك إلى الانفصال.
في ظل تقدم العشائر العراقية و»دولة العراق والشام» ميدانياً في العراق لا تريد أميركا استقلال كردستان كون الإقدام على هذه الخطوة يشكل حجة للمطالبة باستقلال المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها الفصائل السنية التي تعتبرها الولايات المتحدة معادية لها، لكنها تستعملها في الوقت الحاضر. هي تريد فيدرالية سنية ـ شيعية تتعارك فيما بينها بما لا يبعد سيطرتها السياسية على العراق.
تعارض تركيا استقلال كردستان منطلقة من موقف يدعو إلى وحدة العراق وهو موقف جيوسياسي على رغم ارتباطها بعلاقات جيدة مع حكومة كردستان العراق وبخاصة في المجال النفطي، وهي بوابته النفطية الوحيدة. تخشى أنقرة من أن يؤدي استقلال كردستان إلى تعزيز مطالبات الأقلية الكردية في شمال شرقي تركيا بالاستقلال أيضاً حيث تسعى حكومة العدالة والتنمية إلى إدماج أكراد تركيا في إطار الدولة التركية تحت شعار تعزيز السلطات المحلية.