الإعلام العبري وممارسة سياسة الاستغباء

رامز مصطفى

الكيان الصهيوني بكلّ مكوناته وبيئاته وأمزجته، مركّب غريب عجيب لما يحمله ويتضمّنه من تناقضات ومفارقات تصل حدّ أن يقف المرء محتاراً إزاء ما يقرأه ويسمعه ويشاهده. هذا الكيان المثقل بأكذوبة من منظومات دينية وتاريخية وأخلاقية، مكّنت قادة الحركة الصهيونية من أن يستجلبوا هذا الكمّ الهائل من قطعان المهاجرين اليهود. وآخر تلك المفارقات ما يتعمّده الإعلام الصهيوني من سياسة الاستغباء التي يحاول من خلالها تمريرها علينا نحن الفلسطينيون للقول لنا إنّ هناك تمايزاً داخل كيان تأسّس على القتل والعنصرية.

جديد هذا الإعلام ما أوردته صحيفة «هآرتس» العبرية على صدر صفحاتها قبل أيام في مقالتين حمل الأول عنوان: «اقتحام الجيش الإسرائيلي كلّ أسبوع لعشرات المخيمات اللاجئين والقرى والأحياء في مدن الضفة الغربية ليس ردعاً بل استفزاز»، أما الثاني فعنوانه: «عندما يتمّ قتل فلسطيني فإنّ إسرائيل لا تهتمّ بالقدر الذي تهتمّ به لو كان قتل كلب إسرائيلي»، بقلم جدعون ليفي.

المقالة الأولى تحدثت بإسهاب عن ممارسة القادة والجنود الصهاينة لعمليات القتل المتعمّد بحق الفلسطينيين ولو بالشبهة، وهذا ليس بمحض الصدفة أو الاجتهاد اللحظي لهؤلاء الجنود أو القادة، بل إنّ هناك تعليمات تقضي بفتح النار لمجرد الاشتباه. وتستشهد المقالة بعدد من حالات استسهال إطلاق النار على الفلسطينيين العزل، من تلك الحالات إطلاق النار على رجل ثلاثيني من قرية سلواد، التقى به الجنود في وضح النهار، وزعموا أنه كان يركض وهذا كان كافياً ليكون مشبوهاً اقتضى قتله. والأمر يتكرّر عند قيام قوات الاحتلال بالاقتحامات التي تطاول عشرات القرى والبلدات الفلسطينية بشكل دائم، وكذلك خلال قمع المظاهرات والاحتجاجات، يُقدم الجنود على إطلاق النار باستسهال بالغ في مواجهة الشبان الذين يخرجون للتصدّي للقوات المقتحمة لبلداتهم وقراهم، مما يعتبره القادة والجنود إخلالاً بالأمن تقتضي مواجهته بإطلاق النار مخلفين وراءهم عشرات الإصابات وتحديداً في منطقة الركبة من الجسد، مما يؤدّي إلى الإعاقة الدائمة أو المؤقتة وقد سجل في السنتين الأخيرتين أكثر من مئة حالة إعاقة دائمة لشبان فلسطينيين. ولا يتردّد الجنود الصهاينة في إطلاق النار حتى على من حاولوا إنقاذ الجرحى، وعلى من مرّوا بالصدفة في الطريق، ولم يكونوا مشاركين في المواجهات. وتختم المقالة بالقول «إنّ الجيش الإسرائيلي يدّعي بأنّ الاقتحامات هي ضمن أمور أخرى وسيلة ردع»، الذي ترى فيه «هآرتس» أنه استفزاز من الجيش يتسبّب بتصعيد في الميدان وإصابات زائدة للفلسطينيين. الجيش ملزم بالكفّ عن هذه الممارسة البائسة، لجم تعليمات فتح النار، وبالتأكيد عدم استخدام وسائل تتسبّب بالإعاقة والموت».

أما في المقالة الثانية فكتب جدعون ليفي قائلاً: «على حاجز يبرود شاهدوا إنساناً، فقاموا بإطلاق النار عليه مثلما علّموهم. المراقبون العسكريون تحدّثوا أيضاً كما علموهم: «مخرّب أطلق النار على موقع في عوفرا بدون إصابات. القوة ردّت بإطلاق النار فقتل المخرّب»، وبعد مرور وقت قصير: «يبدو أنّ الحديث يدور عن مريض نفسي، وبدون أدلة بعد تفتيش جسده». ويتابع صاحب المقالة مضيفاً: «مراسل القناة العاشرة أوري هيلر، وآلون بن ديفيد المراسل العسكري هما من أوردا خبر قتل المواطن الفلسطيني ومعهم فريق من المراسلين العسكريين، هم من يشترون بشكل أعمى ما تفرضه عليهم السلطات. هذه الأكاذيب حول ما حدث على حاجز يبرود قام الجيش بتقويم ما حدث، وخلاصة التقويم أنّ «الفلسطيني لم يحاول الإضرار بالقوات» ولكن في النتيجة «قتل الفلسطيني إياد حامد». ويتابع الكاتب: «عندما يسقط صاروخ قسام من غزة ولا يصيب أيّ أحد ولا يحدث ضرراً، تخرج إسرائيل في حملة انتقام بالقصف، تزرع الدمار والرعب. مسموح لها؟ وهنا هل مسموح للفلسطينيين الانتقام على قتل صديقهم؟ وهل مسموح لهم محاولة ردع جنود الجيش الإسرائيلي؟ لو كان قتل كلب «إسرائيلي» على يد مخرّب فلسطيني لكانت «إسرائيل» تزعزعت أكثر من زعزعتها بسبب قتل فلسطيني!

وليس بعيداً عما جاء في المقالتين يأتي اعتراف قائد جيش الاحتلال في مدينة الخليل الياهو ليبمان بارتكاب جيش العدو عمليات إعدام ميداني عديدة في الضفة الغربية، على غرار تلك التي ارتكبت بحق الشهيد عبد الفتاح الشريف. اعترافات ليبمان جاءت خلال جلسة محاكمة الجندي قاتل الشهيد الشريف، إذ أكد ليبمان أنه شاهد «بأمّ عينه» العديد من الحالات التي أطلق فيها جيش الاحتلال الرصاص على منفذي عمليات بهدف «تحييدهم»، ثم أطلقوا الرصاص على رأس المنفذ لقتله. ليُدلّل بشكل لا لبس فيه على أنّ قوات الاحتلال الصهيوني تنتهج سياسة التعمّد في قتل الفلسطينيين ولمجرد الاشتباه.

ما ورد في صحيفة «هآرتس» العبرية، واعترافات قائد جيش الاحتلال في الخليل يمثل إخباراً على السلطة الفلسطينية أن تضمّه إلى ملفاتها وتقاريرها المرسلة إلى المحكمة الجنائية الدولية»، وضرورة مغادرة دائرة التردّد لصالح الانتقال إلى رفع الشكاوى الرسمية ضدّ قادة الكيان وجنوده ومستوطنيه وسياساتهم الإجرامية ضدّ الشعب الفلسطيني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى