عودة دمشق أم عودة العروبة للجامعة!؟
سعد الله الخليل
لم تأتِ الدعوة الروسيّة إلى تجديد عضويّة سورية في جامعة الدول العربيّة، وعلى لسان رأس الدبلوماسيّة الروسية سيرغي لافروف، من فراغ أو مجرد استثمار لمناسبة عابرة تتمثّل بِاختتام اجتماع منتدى التعاون الروسي العربي في موسكو، إنّما تستند إلى مقوّمات سياسيّة وميدانيّة فرضتها ظروف الحرب على سورية بسنواتها الست العِجاف من جهة، والرؤية السياسيّة الدبلوماسيّة الروسيّة من جهةٍ أخرى.
تُدرك موسكو أنّ جزءاً كبيراً من الحرب التي شُنّت على سورية نتيجة لتمسّكها بالقضايا القوميّة، ولوقوفها في وجه مشاريع الغرب للسيطرة على القرار العربي، وأنّ إخراجها من منظومة الجامعة العربية كان في سياق مشروع مخطّط له لشنّ تدخّل عسكريّ ضدّ سورية، عبر نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، وهو ما أضرّ بالجهود الصادقة لحلّ الأزمة السوريّة منذ بدايتها كما أضرّ بمنظومة الجامعة، وبطبيعة الحال لم يُخرج دمشق من عروبتها. وبالتالي، فإنّ السّعي الروسي يأتي لضمان انسيابيّة الحلول السياسيّة للأزمة السوريّة، ضمن مسارات المؤسسات الرسميّة ولو شكلياً، كونها تُدرك عجز الجامعة عن الخروج من المنظومة الغربيّة وتحالفاتها في الحرب على سورية، وبالتالي لن تكون مُنصفة بحقّ دمشق في قادمات الأيام بما ينسجم مع تاريخها القريب في التعاطي مع الأحداث. وتُضاف إلى دوافع موسكو، رؤيتها للسياسة الدوليّة القائمة على احترام الشرعيّة الدوليّة وسلطة القانون الدوليّ، وهو ما يدفعها للسّعي لإعادة الأمور إلى نصاب المؤسسات والمنظمات، والجامعة العربية إحدى تلك المؤسسات بطبيعة الحال…
أمّا في توقيت الدعوة، فيبدو أنّها رغبة روسيّة إضافيّة في التأكيد على موقف موسكو على احترام عروبة سورية، خصوصاً بعد ما رُوّج عن مسوّدة الدستور السوريّ والتي وزّعتها موسكو على الأطراف السوريّة في لقاء أستانة، بأنّها تُسقط عروبة سورية كون المسوّدة وصفت سورية بالجمهورية السوريّة وغابت كلمة العربيّة عنها. وبالتالي، فإنّ الدعوة الروسية تُنهي اللغط الدائر حول المسوّدة، وتضع الكرة في ملعب الجامعة لإدراك موسكو بأنّ أيّ دور للجامعة لا يمكن أن يتمّ من دون عودة سورية إليها، ويبدو من ردّ الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، أنّ الجامعة ستطبّق أيّ قرار يتمّ الاتفاق عليه في الاجتماعات الوزاريّة أو اجتماعات الأمانة العامّة، ما لا يغلق الأبواب على تلك الدعوى بما يبقيها مشرّعة لنقاش الخطوة من دون أن تحبط الرؤوس الحامية التي أخرجت سورية من الجامعة، لتأتي كلمة سرّ العودة من بوابة الإجماع العربي.
في الدخول لحيثيّات وتفاصيل الخطوة، فإنّ الدعوة لعودة سورية إلى الجامعة العربيّة تحمل دلالات عدّة، خصوصاً إذا ما بحثنا في ماهيّة الجامعة ودورها في تسعير الحرب على سورية، لتغدو الخطوة بداية هزيمة لمخطّط إسقاط سورية، وانتصاراً لدمشق التي فرضت بصمودها تغيير المعادلات الإقليميّة والدوليّة. وبالتالي، فإنّ العودة في حال تمّت، ليست منّة، بل استحقاق واعتراف بسقوط المشروع القطريّ السعوديّ التركي بالهيمنة على العالم العربيّ من بوابة البترودولار، كمنصّة لتنفيذ الأجندات الغربيّة والتي كرّست عمالة الأنظمة العربية لقوى الإمبرياليّة. وبناءً على التحالفات السوريّة خلال سنوات الأزمة، فإنّ العودة السوريّة لن تضيف أيّ مكسب سياسيّ لدمشق في منطق المصالح وحسابات الربح والخسارة، فمن يقف في محور موسكو وطهران ودول بحجم دول بريكس وشنغهاي، ليس بحاجة للسّعي إلى العودة لمنظّمة شبه ميتة كالجامعة العربيّة…
الموقف السوري لم ولن يكون في هذا الوارد، بل سيجعل من العودة السوريّة إلى الجامعة خياراً لا بُدّ منه لمواجهة ومحاسبة من ساهم في الحرب على سورية، وكمنطلق لتفكيك المعسكر المعادي لسورية في السياسة كما فكّكته عسكريّاً، وأسقطت كلّ مشاريع الاستحواذ بالمنطقة انطلاقاً من بوابة إسقاط سورية.
بين خيارات العروبة والعرب والعربان، ترجح كفّة العروبة في التفكير الجمعي لكلّ المكوّنات السورية شعباً وقيادة، وبالتالي لن تسمح سورية لأيّ من خصومها بالاستفراد بالجامعة العربية وجعل دورها شرعنة التدخّل الأجنبي والعسكري في الدول العربيّة المستقرة، ما يجعل من العودة أمر غير مستبعد ويدخل في حسابات الدولة السوريّة.
تُدرك سورية والجامعة العربيّة أنّ عودة سورية إلى صفوف الجامعة، يخدم الجامعة أكثر ممّا يخدم سورية، ويُعيد إليها عروبتها المفقودة بغياب سورية عن اجتماعاتها ومؤسّساتها.