سورية ترسم الخطوط الحمراء
عمران الزعبي
السوريون الذين دفعوا ثمناً باهظاَ في حرب لا مثيل لها في التاريخ هم وحدهم الذين يرسمون الخطوط الحمراء ويحدّدون معالم المستقبل لبلدهم.
ولعلّ مفهوم الخطوط الحمراء هو أقلّ المفاهيم التباساً، بل لعله أكثرها وضوحاً ودلالة لا سيما عندما تقترن الممارسة بجوهر المفهوم.
وفيما يحاول البعض الآن أو في ماضي هذه الحرب أن يرسم للدولة السورية شكلاً ونموذجاً على مقاسه ومعايير أجندته، أو أن يحدّد طبيعة مستقبل سورية، بما في ذلك حدودها وشكل الحكم فيها وموقعها السياسي، فإنّ جميع المحاولات كانت تصطدم فعلياً بجدار الرفض الشعبي والرسمي لانتزاع القرار الوطني المستقلّ من يد الجماهير والدولة السورية. وحتى اليوم لا زال يتردّد على بعض ألسنة المسؤولين في الدول التي تآمرت على سورية والمنطقة عموماً عبارات تفيد أنّ بعض الأطراف تعيش حالاً من الإنكار المستمرّ لفشله في تحقيق الأهداف الرئيسية التي بُني عليها العدوان على سورية.
البعض منهم يريد أن يحدّد للجيش السوري خطوطاً حمراء على الخارطة السورية كي لا يتجاوزها والبعض يسعى لتهيئة ظروف تقسيمية تتيح له لاحقاً خيارات فدرالية تمهّد لاغتصاب جزء من الأرض السورية.
والإسرائيليون الذين يساندون الإرهاب يأملون واقعاً يخدم أمنهم على المدى القريب ومشروعهم التوسعي على المدى البعيد.
أما الذين تآمروا من دول الخليج على بنيان الدولة بقصد إنهاكها وإضعافها، فهم من حيث المقدمة والنتيجة لم ولن يكونوا أصحاب رأي أو قرار بسبب تبعيتهم المباشرة للأميركي.
التركي الذي كان يحلم بالصلاة في المسجد الأموي بدمشق أدرك أنّ عليه أن يراجع أوهامه وأحلامه مرات ومرات قبل أن يُمني النفس بما لا يملك ولن يملك.
الخطوط الحمراء السورية لم تتبدّل ولن تتبدّل، فالسيادة الوطنية خط أحمر، لكن السيادة ليست مجرد مفهوم نظري ونص دستوري ومحل إيمان شعبي، بل هي ممارسة، والجيش العربي السوري مهمته حماية السيادة الوطنية، وحقه وواجبه أن يتحرّك إلى آخر شبر من التراب السوري جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً ومن يحول بينه وبين هذا الواجب هو عدو وخصم سواء كانت له قوات على الأرض أم لا.
حق قواتنا المسلحة الانتشار في كلّ سورية وواجبها الدستوري حماية أمن البلاد داخلاً وخارجاً، وهذا حق كلّ جيش وواجب على أيّ جيش في أيّ بلد من بلدان العالم.
والدولة السورية معنيّة بتأمين حدودها الوطنية حرصاً على مصالحها لا سيما أنّ أحد مخرجات الحرب أثبت أنّ العبث بالحدود بين الدول لا تتأثر به دولة بعينها، بل تسود الفوضى جانبي الحدود كحدّ أدنى.
والسعي لتقسيم دولة ما يعني أنّ خريطة المنطقة ستتغيّر وأنّ أوهام البعض ستحضر وأنّ التقسيم سينال الجميع من دول المنطقة.
وخلال سنوات الحرب أكدت الدولة السورية أكثر من مرة أنّها مستعدّة للحوار مع أولادها الذين ضلّوا الطريق وليست لديها مشكلة في ذلك، كما أكّدت أنّ الإرهاب ليس منتجاً سورياً وإن تورّط فيه سوريون فهم أُجراء عند المنتج السعودي والقطري والتركي.
وقد أثبتت الحقائق والوقائع وتسلسل الأحداث مصداقية ذلك بعد زمن من التشكيك كجزء من الحرب النفسية على سورية. وأكثر من ذلك، فدمشق شاركت في جنيف وأستانة وتركت بابها مفتوحاً لأولادها بمن فيهم مَن حمل السلاح.
إلا أنّ كلّ ذلك هو ممارسة سياسية موضوعية وطبيعية وتؤشر إلى وعي وتحليل سياسي متقدّم، لكنه إذا تعارض مع مفهوم السيادة الوطنية وتطبيقات هذا المفهوم، فهناك قصة أخرى وأداء آخر لا ينكر المسارات السياسية لإنهاء الحرب ولا يعطّلها، لكنّه سيفرض منطق السيادة إلى نهاياته.
شمال سورية بمدنه وقراه ومزارعه كلها أرض سورية سيذهب الجيش إليها ويفرض سلطة الدولة تحت علم الدولة فقط.
وشرق سورية حتى خط الحدود العراقية – السورية أرض سورية لا يستطيع أحد أن يمنع الدولة السورية من فرض سلطاتها عليها، وكذلك الجنوب في الجولان ودرعا.
مساحة سورية ستبقى كما هي فعلياً ونظرياً وعلم الدولة السورية سيكون حاضراً علانية فوق مراكز الحدود والأبنية الرسمية وغير الرسمية.
هذا شيء، وكلّ حديث عن مسار سياسي وحكومة وانتخابات وجنيف وأستانة شيء آخر. لن تسمح الدولة السورية لأحد أن يرسم خطوطاً حمراء على أيّ شيء يخصها الجغرافيا والسكان والتاريخ والموقع الجيوسياسي والمستقبل القريب والبعيد.
نحن دولة لا مشيخة ولا إمارة. نحن متجذّرون هنا ولسنا غزاة واحتلالاً. نحن باقون هنا والجميع ممن حاربنا راحل.
على كلّ راحل أن يختار طريقة رحيله، وليس في الوقت متّسع.