هل تخرج القوات الأميركية وحلفها مع خروج داعش؟
محمد ح. الحاج
تتسارع عمليات مطاردة العصابات التكفيرية بكل مسمّياتها على ساحة الأمة من العراق إلى الشام ولبنان، من البادية والسهول إلى الجبال والذرى، ونرى الانهيارات والهزائم تتالى هنا وهناك، سواء لتنظيم داعش أو القاعدة وفرعها النصرة – أمام انطلاقة هجومية عالية الوتيرة وتنسيق بين الجيش السوري والمقاومة، وأيضاً مع الجيش اللبناني الذي يمنع تسلل وهروب قتلة وخاطفي عناصره إلى الداخل للتخفي والاختباء خلف المدنيين.
أيام أو ساعات لا نستطيع التحديد فالمقاومة لم تضع لنفسها مهلاً زمنية، يقترب الإعلان سريعاً أنّ الجرود والمناطق الجبلية على جانبي الحدود ستكون آمنة، خالية من التكفير والإرهاب الذي اتخذها ملجأ ومنطلقاً لاعتداءاته باعتبارها مسالك شديدة الوعورة ومحصّنة تناسب حرب العصابات التي يمارسها، متناسياً أنّ الجيش السوري والمقاومة هما سيدا المعارك الجبلية والمناطق الوعرة، وهكذا تساقطت حصونه على التوالي ويتمّ الإطباق عليه في جحور معزولة فلا يبقى أمامه خيار سوى الموت أو الاستسلام.
بوادر اليأس والانهيار لم تتولد بعد بداية المعركة واجتياح المقاومة لخطوط التحصين، بل هي سابقة عليها وأكدتها مطالب أبي مالك التلي التي نقلها الوسطاء وخلاصتها خروجه مع أمواله وإعلانه عدم اهتمامه بمصير من معه من مقاتلين، وكأنه يقول ليذهبوا الى الجحيم، الأهمّ الغنيمة والسلامة … ولم ينجح رغم رغبة داعميه أو ربما تردّدهم واستمرارهم في الرهان على القتال فقد تتغيّر النتيجة ولكن… هيهات.
انهيار جبهة النصرة السريع أقلق أطرافاً عدة في مقدّمها من يدعمهم في الداخل اللبناني ويمكن متابعة ما يرد في وسائل إعلام هؤلاء، أما على صعيد آخر فالقلق يدق أبواب الكيان الاستيطاني الصهيوني ويبعث الرعشة في أوصال حكامه، فانتصار المقاومة هو خلاصها من كابوس جاثم على نوافذها وقرب بواباتها وممراتها، ويفسح في المجال لتفرّغها لمهام أكبر وأبعد، المؤرق أكثر اكتسابها قدرات قتالية عالية المستوى يحسب لها العدو ألف حساب، خصوصاً في الشعاب الفاصلة على امتداد حرمون وجبل الشيخ وبوابات الجولان و… اصبع الجليل المحشوة بالمستوطنين، أيضاً القلق يجتاح أوساط داعش الذي يعتبر الهدف التالي للمقاومة والجيش في ذات المنطقة.
يظن البعض أنّ عملية التباكي على خسائر العصابات التكفيرية ووصفهم بالضحايا الأبرياء سيجلب تعاطفاً دولياً وعلى رأسه الإدارة الأميركية، ويبدو أنّ قراءة هؤلاء للنتائج سطحية بالمطلق، فالإدارة الأميركية ومعها الغرب لا يدخل في حسابها عدد الضحايا أو تنوّعهم بقدر ما يدخل في الحساب كمية ونوعية الربح والخسارة المتعلقة بمشروعها، والمؤكد أنّ الخسائر البشرية من كلّ الأطراف مكسب غربي وصهيوني لأنه يؤسّس، بل يرسّخ كراهية عمل الغرب وما زال على تأجيجها وتغذيتها خدمة لمصالحه التي يضمنها استمرار صراع عبثي على قواعد الاختلاف الفكري الديني المذهبي الفقهي الخ…، بعيداً عن قيامة دولة تعتمد العلوم والتطوّر، دولة مدنية علمانية تعمل لتحقيق مصالح الشعب بمعزل عن ميتافيزيقية الأطراف المتصارعة منذ أربعة عشر قرناً وربما أكثر، فاشلون هؤلاء المتاجرون بقضية خاسرة لا يلقي سواهم لها بالاً وكأنها الحلم الذي لم يفارقهم وهكذا يغرّدون خارج السرب في معزوفة نشاز صارت ممجوجة ربما يطلقون عليها نظرة سنيورية إلى المستقبل…!
يلفت الانتباه ما نشرته جريدة عربية تصدر في عاصمة الضباب لندن – حول تخوّف الولايات المتحدة من خروج قواتها من الأراضي السورية بعملية ما…!!
ولننظر إلى هذا الوجود الذي ظهر وكأنه أمر واقع بطريقة التسلّل، شيئاً فشيئاً وبذريعة نصرة طرف مهدورة حقوقه الكرد رغم تناقض هذا الموقف مع رؤية تركية معارضة، وكأنه قدر على سورية أن تجري الأمور على ساحتها بما يتوافق مع مصالح الآخرين لا مصالح شعبها، أو نصرة الأقليات وهي تطرح مشاريع باطلة تنسف أسس قيام الدولة وسيادتها، والحقيقة أنّ ذلك يشكل استغلالاً لحالة داخلية لا يقرّها لا القانون المحلي ولا الدولي بل تشكل ذرائع واهية يجري التلطي خلف يافطتها، إذاً لماذا التخوّف من أمر محتوم؟
دخلت القوات الأميركية بشكل متدرّج تارة عبر الأراضي التركية خبراء تدريب وتارة عبر الأراضي العراقية وحدات استطلاع من المارينز مهمّتها توفير مواقع لهبوط الطائرات الحوامة وحماية هذه المواقع، واكتفت الإدارة بممارسة عمليات القصف في محيط تلك المناطق استهدف أغلبها الجيش السوري، وبعضها لإبعاد داعش أو توجيه مجموعاته باتجاه القوات العسكرية السورية أو الرديفة بعد توفير الدعم الجوي للوحدات الداعشية وجرى ذلك على المكشوف.
لا قرار دولياً يعطي الحق لأيّ من القوى العسكرية بالتواجد على الأرض السورية، ولا طلب من الحكومة السورية قبل العام 2015، في الوقت الذي مارست دول عديدة خرق حرمة السيادة الوطنية لسورية عبر حدود مفتوحة، كان في طليعتها الأتراك والأردنيون والسعوديون عبر هؤلاء، والأميركان عبر الحدود العراقية، وعبر هذه البوابات جرى إدخال مرتزقة من كلّ أنحاء العالم برضى وعلم المعارضات السورية العميلة التي لم تتورّع عن مدّ اليد إلى العدو الصهيوني.
عندما تقاتل الدولة السورية الشرعية دفاعاً عن أراضيها، عن شعبها، عن سيادتها واستقلالها، فمن حقها الاستعانة بمن تشاء فهي صاحبة القرار، ولم تفعل ذلك قبل العام 2015 بينما تغاضت المنظمة الدولية والعالم عن الوجود الدولي – التكفيري العنصري لأعوام، ومارست غرف عمليات هؤلاء رسم الخطط والتوجيه ودعم التخريب وتمويل التنظيمات بكلّ الطرق والأساليب، سواء من أموال حكومات قائمة دول الخليج ، أو حكومات سقطت وتمّ وضع اليد على مخازنها وأموالها كما في ليبيا، وهكذا يتحمّل من يسمّون أنفسهم معارضات، الداخلية منها أو الخارجية مسؤولية استباحة أرض الوطن سواء كمبادرة برضاهم أو كردّ فعل من جهة أخرى على سلوكهم، وهو ما دفع بهم إلى القول بوجود احتلال فهل تجرّأ أحدهم أن يقول الحقيقة أو أنّ هناك من سبق إلى فرض وجوده بالقوة لإسقاط الدولة ففشل التحالف ، والآن يتلمّس رأسه خوفاً من إجباره على الخروج بالقوة ليلحق بأدواته التي تباد ويجري دحرها في كلّ الساحات.
هل تعمل الولايات المتحدة على تأسيس قواعد تريد لها أن تكون دائمة على الأرض السورية، وهل تعتقد أنّ المكوّن الكردي مستمرّ في الوقوف إلى جانب مشروعها بعد اكتشاف حقيقته وفراغه الداخلي واستحالة تحقيق ما يعتقدون أنه قابل للتحقيق؟
وهل تعتقد الولايات المتحدة أنّ الدولة السورية وبعد القضاء على كلّ الجيوب التكفيرية ستقف متفرّجة على الوجود المتحالف على أراضيها ولو وقف معه أيّ من المكونات السورية دون أن تعلن على الملأ رفضها لهذا الوجود وإطلاق النداء الوطني لمقاتلته بكلّ الوسائل وطرده خارج الأرض الوطنية.
تتكرّر أخطاء بعض الشرائح الكردية وتسهل خديعتهم من قبل الدوائر الصهيونية بمساعدة الغرب، ويقعون في مطبات لا عدّ لها ولا حصر، دون وجود لأسس وضمانات يمكن البناء عليها ويؤيدها المجتمع المحلي المحيط قبل المجتمع الخارجي، ونعلم أنّ ضمانة الأكراد هي التزامهم الوطني وهويتهم السورية التي تحميهم ووقوفنا إلى جانب مطالبهم الداخلية المحقة بعيداً عن الانفصال والالتحاق بمشاريع معادية.
على الإدارة الأميركية أن تخاف فعلاً، لا أن تعلن مجرد تخوّف، فهي ليست صاحبة حق في الإقامة، لا قواتها ولا أية قوات أخرى بعد دحر الإ1رهاب وهو أداتها المفضلة، ويمكنها منذ اللحظة وضع الخطط للانسحاب بهدوء وأمان قبل أن تبدأ عمليات شحن الصناديق المحشوة بجثث الجنود، مع أنّ هذه الإدارة تخفي بعضها والكثير من الحقائق عن الشعب الأميركي الذي يرفض بالمطلق معادلة الدماء مقابل النفط والغاز أو أيّ من الثروات الأخرى.
كلمتنا إلى المعارضات: عندما نسمع قولكم أنّ كلّ وجود غريب مرفوض، بدءاً من السعودي والتركي والشيشاني والأميركي والبريطاني وكله كان الأسبق قبل الإيراني والروسي الذي جاء بطلب رسمي، عندما تقولون ذلك وتقرّون به وتطالبون بخروجه… عندها نستمع لكم وربما نقف معكم… على أنّ الحق خروج من دخل أولاً وليس من جاء لاحقاً.