هل يغطّي «فلسطينيون وعرب» الحلف السعودي «الإسرائيلي»؟
د. وفيق إبراهيم
باتَ واضحاً أنّ ثلاثة أهداف تكمن خلف التصعيد السعودي الراهن في المشرق العربي، وتتسابق في إطار مشروع واحد عنوانه تحويل خسارة الحلف الأميركي «الإسرائيلي» ـ السعودي إلى انتصار أو تحقيق «ربط نزاع» احترابي على الأقلّ.
لجهة الأهداف، فأوّلها محاولة أميركية لوقف تراجعاتها في العالمَين الإسلامي والعربي، وهذا يشترط وجود «سعودية» قوية و«إسرائيل» مرهوبة الجانب.
ويتطلّب بدوره إقصاء مراكز الخطر بدءاً من إيران المستوطنة بقوّة في العالمين المذكورين، وحزب الله المنتصر الذي أصبح نجماً جهادياً قابلاً للتشبّه به، ناهيك عن روسيا التي يتدحرج نفوذها إلى الفضاءات السوفياتية السابقة، على وقع مئة ألف غارة جويّة سحقت بها معظم الإرهاب في سورية، ومعه المستثمرون به من عرب وأميركيين ودول غربية وإقليمية.
أمّا الهدف الثاني، فمصدره طموح محمد بن سلمان إلى الاستيلاء على دولة جدّه عبد العزيز وتحويلها إلى «المملكة المحمدية الأولى»، ما يفترض تصفية الورثة الشرعيين لأبيه الملك سلمان أيّ أخوته ، وضرب مراكز القوى الأساسية في مملكة الرمال. وهذا لا يتمّ من دون تأييد من البيت الأبيض، ويجب أن يكون له ما يقابله من استعداد سعودي لتلبية الحدّ الأقصى من المصالح الأميركية.
و»إسرائيل»، هي صاحبة الهدف الثالث، المتربّصة بالفرص التاريخية التي تسمح لها بإنهاء القضية الفلسطينية من جذورها… هناك قطاع غزة فقط مسموح «منحه» للفلسطينيين، أمّا النهر والبحر ومبادرة عبدالله السعودي وحلّ الدولتين، فهذه أضغاث أحلام عربية لا تلوي على شيء إلّا مجرّد ابتهالات عاجزين أصبحوا أدوات شرّيرة لتدمير المصالح العربية والإسلامية.
يتبيّن بالترابط، أنّ التراجع الأميركي الحالي منح إذناً لوليّ العهد بالسطو على الدولة السعودية مقابل المال والسياسة. أمّا المال، فقد أعطى قسماً منه 500 مليار دولار محاولاً تنفيذ الشقّ السياسي من المشروع الأميركي المتعلّق بـ «السلام مع إسرائيل»، واستعداء إيران وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق… والدولة السورية.
لذلك، فإنّ الاعتقالات ومصادرة أموال الأمراء من آل سعود، والإمساك بكلّ أدوات السلطة في السعودية من دين وجيش وحرس وطني ومخابرات وأمن ومطاوعة واقتصاد، إنّما تندرج ضمن الإذن الأميركي بمكافأة محمد بن سلمان على انصياعه لـ «وليّ الأمر الأميركي».
بَيد أنّ ترجمة هذا التطوّر الدراماتيكي تفترض إنهاءً كاملاً للقضية الفلسطينية، فدولة «الحرمين الشريفين» لا تستطيع الإقدام على مغامرة علنيّة ليس لها أساسها الفلسطيني من الممسكين بالسلطة الفلسطينية على الأقلّ.
ويبدو أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس مكلّف بالإشراف على لقاءات سعودية «إسرائيلية» يجري منحها زوراً صفة مفاوضات سلام عربية «إسرائيلية» لها ثلاثة أطراف، السعودي و«الإسرائيلي» والسلطة الفلسطينية. فتظهر الدولة المحمدية الأولى على شاكلة راعٍ مهتمّ بمصالح الفلسطينيين، وليس مجرّد دولة تستسلم لـ «إسرائيل» وواشنطن. وقد تسفر هذه المفاوضات المرتقبة عن «اتفاق على ضرورة التوصل إلى تفاهم فلسطيني إسرائيلي» عندما «تتوفّر الظروف»!!!
وبذلك تحقق «مملكة الشرّ» خطّتها بالتحالف مع «إسرائيل» بتغطية فلسطينية توهم بأنّها من أجل فلسطين، فيما هي مكرّسة للحرب على إيران وحزب الله.
لا بدّ هنا من الكشف عن معلومات إعلام غربي أكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ السعودية وافقت على توقيع صلح مع «إسرائيل»، مقابل قبول «إسرائيلي» علني بالحرب على إيران وحزب الله، تكفله الولايات المتحدة الأميركية وتضمن تنفيذه أيضاً.
لكن ما فائدة «إسرائيل» من هذه الخطة؟ يكفي أنّها تنهي القضية الفلسطينية على قاعدة محاربة إيران وحزب الله، بتغطية سعودية عربية إسلامية، وربما فلسطينية، إذا لم يتبقَّ لمحمود عباس أيّ شيء في الدفاع عن سلطته الهزيلة.
وبذلك تنجز «إسرائيل» إنهاء فلسطين التاريخية والاصطناعية، وتقتحم السياسات الإقليمية. كما تفتح أسواقاً كبيرة لها في العالمَين العربي والإسلامي. ولمرحلة الأهداف، اتّفق الأميركيون مع حلفائهم على خطة لضرب ما أسموه «أذرع إيران» في المشرق العربي، على أن تبدأ بخلق أزمة حكم في لبنان تؤدّي إلى اختلاق أزمات اقتصادية ودستورية وسياسية تؤدّي حتماً إلى اهتزازات أمنيّة مصادرها من الإرهاب الإسلاموي ومخيمات النازحين، وبعض الزوايا المتطرّفة في أكثر من منطقة في لبنان.
وما استقالة الحريري في منفاه السعودي إلّا الجزء الأول من استهداف لبنان، إلّا أنّ التغطية الفرنسية والأوروبية وهدوء «المتمكّنين» لحزب الله وحلفائه منعوا تفجيراً سريعاً كما كان يرجو المخطّطون، لكنّ الأمر لا يزال مستمراً حتى إشعار جديد.
بالنسبة للعراق، فهناك إصرار أميركي سعودي على حلّ الحشد الشعبي، ووقف التمويل الرسمي له واستهدافه مذهبياً وكردياً، بما يؤمّن دولة عراقية تجنح نحو السياسة الأميركية السعودية، وتعطّل إمكانية التنسيق مع سورية… و«سيناريو» التآمر هذا متواصل بجرعات مختلفة، ولمّا ينتهِ بعد.
ولليمن حصّته، فبعد استعصاء أنصار الله والجيش على المجزرة السعودية الأميركية، جرى وضع خطة لاحتلال ميناء الحديدة بقوات مشتركة، سعودية أميركية «إسرائيلية» وإماراتية، إلى جانب هجمات من المناطق الشرقية المواجهة لصنعاء. فتسيطر الرياض بذلك على باب المندب وصنعاء وعدن، بالاشتراك مع الإمارات. ويبقى للحوثيين أعالي صعدة فقط محاصرين فيها حتى الموت جوعاً أو الاستسلام.
هناك أوراق أميركية أخرى… الكرد في شرق سورية لإرباك الدولة، والكرد في كردستان للجم الاندفاعة العراقية. أمّا الأكثر خطورة، فيتعلّق باحتمال اختلاق مناوشات مع إيران في الخليج، ينفّذها سعوديون وأميركيون، بالإضافة إلى احتمال غارات «إسرائيلية».
والحقيقة أنّ واشنطن لم توافق على مواجهة إيران أو التحرّش بها، لأنّ البداية برأيها مضمونة، لكنّ النهايات غير مرئيّة وقد تتحوّل حرباً إقليمية وأكثر.
هذه هي أهداف الخطة الجديدة التي يبدو أنّها ذاهبة لمرحلة «ربط نزاع» فقط، وسلاحه الأساسي وسائل إعلام عربية وإقليمية ودولية، لها أهداف محدّدة: وضع العالم في أجواء حالة حرب مع إيران وشيطنة حلفائها والإساءة إلى روسيا، مع محاولات تخريب الوحدات الوطنية الشعبية في لبنان وسورية والعراق واليمن.
فالولايات المتحدة الأميركية تعرف أنّ إيران صامدة منذ 1980 في وجه حربها، وحزب الله منتصر على الإرهاب و «إسرائيل»، مكتنزاً خبرات عسكرية وسياسية كبيرة، وكذلك الحشد الشعبي المستند إلى قوى أساسية في العراق، والحوثيين الذين أصبحوا في اليمن قوة مقاتلة تجيد الحروب الشعبية والنظامية.
ضمن هذا الإطار، يمكن تفسير «الإقالة السعودية» للحريري، التي جرى إجهاض مفاعيلها الداخلية في لبنان، وأصبح «السعد» ضحية لحماقة سياسات سعودية، تفتّش اليوم عن طرق جديدة لتفجير لبنان، لكنّها لن تفعل إلا تفجير حلفائها من الجعاجعة والفوارس وبعض «دمى» حزب المستقبل.
كما أنّ تجاهل ردود الفعل الروسية على هذه الخطة لمجرّد وجود تنسيق بين موسكو والرياض بأبعاد نفطية، يحتوي على الكثير من الخفّة. فمعركة المشرق هي الحرب على أُحادية النفوذ الأميركي التي تسبّبت بملايين القتلى والدمار المروّع حتى الآن، حتى أنّ الاستقرار في روسيا نفسها أصبح مرتبطاً بمعركة المشرق العربي.
ولن ينجو من الخطة الأميركية السعودية إلّا الصلح بين الرياض و«إسرائيل»، الذي يمكن اعتباره أيضاً إعلان وفاة للمملكة المحمدية الأولى، التي لن يطول عمرها حسب موازين القوى التي تؤكّد أنّ الحمقى لا يستمرّون طويلاً في حروبهم مع الذين يدافعون عن شعوبهم وأوطانهم.