خالد: الإدارة الأميركية توهّمت بأنّها قادرة على تمرير «صفقة القرن» عطيّة: معظم الفلسطينيين نظروا إلى الربيع الغربي ـ الصهيوني كـ«خريف فلسطينيّ» شتوي: لا سياسة واحدة في أوروبا رغم وجود منسّق للشؤون الخارجية
عُقدت في مكتب منفذية طرابلس في الحزب السوري القومي الاجتماعي، ندوة تحت عنوان: «2018… وتداعيات المتغيّرات الدوليّة»، وذلك بدعوة من «منتدى الحوار الوطني الديمقراطي» و«المركز الثقافي القومي»، بحضور عميدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي داليدا المولى، المندوب السياسي في الشمال زهير الحكم، عضو هيئة منح رتبة الأمانة الياس عشّي، منفذ عام طرابلس فادي الشامي، إضافةً إلى عضوَي المجلس القومي عبد الناصر رعد وميشال الأشقر، وعدد من مسؤولي الأحزاب والقوى الوطنية في طرابلس.
كما حضر النائب السابق عبد الرحمن عبد الرحمن، وعدد من المخاتير الحاليين والسابقين، والسادة: سمير الحاج، محمود شحادة، الدكتور سليم مسعد، وفاعليات سياسية ونقابية وشبابية.
خالد
أدار الندوة رئيس «منتدى الحوار الوطني الديمقراطي» عبد الله خالد الذي شدّد على أنّ الندوة هي الحلقة الأولى في ثلاثية، تتناول تداعيات المتغيّرات الدوليّة والإقليمية والعربية، في مطلع السنة الجديدة التي ستشكّل نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، بعد تصدّع الأحادية القطبية وإرهاصات تشكّل نظام عالمي متعدّد القطبية. الأمر الذي يفرز مشروعين، أحدهما يسعى إلى استعادة الهيمنة الأميركية عبر مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الرامي إلى تفتيت المنطقة وإعادة تشكيلها انطلاقاً من إحياء العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية والعنصرية، بشكل يخدم المشروع الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة، ومشروع آخر يقاوم الهيمنة والاحتلال وصولاً إلى تحرير كامل التراب الوطني والقومي، وهذا ما تجسّد بتحرير جنوب لبنان عام 2000، وتكرّر بهزيمة العدوان في تمّوز 2006، ومن خلال انتصارات غزةّ عام 2008 وما تلاها.
وأكّد خالد أنّ ما سُمّي زوراً بـ«الربيع العربي»، تُوّج بالعدوان على سورية بهدف تدميرها، وإلغاء دورها المقاوِم، وتمدّد لاحقاً إلى العراق في محاولة لإقامة دويلة الخلافة المزعومة.
كما أشار إلى أنّ الإدارة الأميركية بعدما نجحت في نقل التطبيع بين بعض الأنظمة العربية مع العدوّ الصهيوني من السرّ إلى العلن، توهّمت أنّها قادرة على تمرير ما يسمّى بـ«صفقة القرن»، الهادفة إلى تصفية قضية فلسطين، وأن تفرض الاستسلام المهين على العرب، إلا أنها لم تتمكّن من نقل خيانة الأنظمة واستسلامها، إلى الشعوب التي ازدادت قوّة ومنعة بتعزيز نهج المقاومة، الذي تجسّد بالانتصار على الإرهاب الذي حقّقه محور المقاومة في سورية والعراق في الميدان، مجهضاً المخطّط الأميركي ـ الصهيوني ـ الرجعي في المنطقة. وخوفاً من ازدياد قوّة النهج المقاوم، جاءت خطوة ترامب عبر قراره نقل سفارته إلى القدس واعتبارها عاصمة الكيان، والتي اتبعت بخطوات تهدف إلى تفتيت المنطقة، لتشكّل من وجهة نظر واشنطن محاولة لإجبار القيادة الفلسطينية على الرضوخ للإرادة الأميركية ـ الصهيونية. إلا أنّ انتفاضة الشعب الفلسطيني كانت أقوى من كلّ الضغوط، خصوصاً بعدما حظيت بدعم المقاومين وأحرار العالم، في تأكيد أنّ إرادة الشعوب هي الأقوى وأنّ نهج المقاومة هو الخيار.
عطيّة
وكانت المداخلة الأولى للدكتور كلود عطية الذي تحدّث عن تأثير «الربيع العربي» الذي هو في الحقيقة ربيع غربي ـ صهيوني بامتياز، لأنه نقل الحرب على الدول العربية إلى حرب داخلها لإنهاكها، وجعلها عاجزة عن توفير احتياجاتها وتحقيق سيادتها على أرضها. وأكّد أنّ كلّ المخطّطات والمشاريع والطروحات التي اعتمدها الغرب تعود إلى مشروع بن غوريون الذي أعلنه بالتعاون مع واشنطن ولندن، لتفتيت العالم العربي، وتستهدف القضاء على الإسلام وتجزئة العالم العربي والاستحواذ على ثرواته ومقدراته والتحكّم فيه حاضراً ومستقبلاً.
ورغم تعدّد الأسماء التي أطلقت على هذا المشروع، إلا أنّها رست في النهاية على اسم «القوّة الذكية»، التي تجمع بين «القوّة الناعمة» و«القوّة الخشنة» في مواجهة التحدّيات الحالية والمستقبلية التي تواجهها الولايات المتحدة.
ولفت عطية إلى أنّه يمكن اختصار الاستراتيجية الأميركية إزاء الإسلام بأنّها محاولة لخلق إسلام جديد، واحتواء الجماعات الإسلامية الإرهابية والتكفيرية، واستخدامها في تخريب العالم العربي، وصنع إسلام جديد يناسب المخطّط الأميركي، الهادف إلى صنع ثورات تثير النعرات التعصبية وتحقّق الانقسام، وهذا هو الدور الذي أُسنِد لـ«داعش» وأخواته من التنظيمات، عبر خلق تنظيم إرهابي، قادر على استقطاب المتطرّفين من العالم أجمع في مكان واحد وفي عملية واحدة، يرمز إليها بـ«عشّ الدبابير» لحماية الكيان الصهيوني، وتقضي بإنشاء دين شعاراته إسلامية لنشر الكفر والإرهاب في العالمين العربي والإسلامي.
ولتحقيق هذا الهدف، صُنِع إعلام مؤثّر يخدم الاستراتيجية الأميركية، وصُنع طابور من الإعلاميين المستعدّين لتنفيذ الأجندة الأميركية، وبذلك استطاع الإعلام المتأمرك المساهمة في افتعال معارك وشنّ الحملات لإحداث البلبلة في الشارع وممارسة التشويش الدائم، لإشغال الجمهور بقضايا بعيدة عن المعركة الحقيقية. وهذا هو الدور الذي لعبته قناة «الجزيرة» التي جسّدت عمق تأثير قطر على «الثورات العربية»، وهكذا تحوّلت «الجزيرة» من تغطية الحدث لتصبح هي الحدث، ومن مجرّد أداة نقل الخبر لتصبح هي الخبر.
ولفت عطيّة إلى أنّ كلّ الثورات الملوّنة ومنها «الربيع العربي» استخدمت «قبضة اليد» كشعار، واعتمدت وشاحاً ذا لون محدّد أو زهرة كرمز، وهذا ما اعتمده فريق 14 آذار بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو يتطابق مع شعار حركة «كاخ» الصهيونية.
أما المنظّمات الدولية فهي الفيروس السرطانيّ الذي انتشر مرضه في أرجاء العالم العربي، في إطار سياسة الهيمنة الأميركية ـ الصهيونية على تفاصيل الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وتحديداً دول «الربيع العربي» في إطار عملية تسمح بالعبور إلى العمق الاجتماعي بكلّ مكوّناته، وخلق حالة من الفوضى المرضية عبر زرع فيروس التقسيم الجغرافي الناتج عن نقص المناعة العربية، في مواجهة المرض الأمّ المتمثّل بالطائفية والمذهبية، وذلك عبر مجموعة من المنظّمات تحقّق الفوضى عبر الضغط الخارجي، الذي يستغلّ عدم وجود مواطَنة وشعور حقيقيّ بالانتماء.
وفي الخلاصة، فإنّ الربيع الغربي ـ الصهيوني جعل معظم الفلسطينيين ينظرون إليه على أنّه خريف فلسطيني، باستثناء حالة التقارب العربي ـ السعودي ـ الإماراتي ـ الصهيوني الذي بدأت تظهر ملامحه في القدس، والسعي إلى زرع الفوضى في إيران.
ويبقى ما قاله بايدن خلال حديثه عمّا يجري في سورية، من أنّ الأتراك كانوا رائعين، وكذلك السعوديين والقطريين والإماراتيين، الذين كان همّهم الوحيد إسقاط الرئيس بشار الأسد، وخاضوا حرباً بالوكالة بين السنّة والشيعة، وقدّموا مئات ملايين الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من السلاح لمن وافق على قتال الرئيس الأسد.
وأشار عطية إلىّ أن الزعيم أنطون سعاده كان قد أشار إلى دور الدول الاستعمارية في عرقلة الوحدة حين قسّمت سوراقيا تبعاً لمعايير دينية طائفية، كي تظلّ النزاعات الداخلية مستمرّة، فيسهّل ذلك السيطرة الكاملة. وتتبع واشنطن السياسة ذاتها وترفض أن يساند أحد سورية لأنها تريد أن تبقى الكيانات السورية مستنفرة ضدّ بعضها، حتى لا تُنجز استقلالها القومي، لأنها تريد أن تبقى مسيطرة على مقدارت سوراقيا الاقتصادية والاستراتيجية. وأشار إلى أنّ ما تمرّ به المنطقة اليوم تحدّث عنه الزعيم قبل 80 سنة حين كشف الأطماع التركية في سورية، كما حذّر من خطر الوهابية والعِداء بين السنّة والشيعة.
إنّ زرع ثقافة الموت والتخلّف والتعصّب وإلغاء الآخر ظاهرة لن تختفي بسهولة ولن تقضي عليها إلا ثورة مفاهيم تؤكّد ضرورة التعايش في المجتمع ونبذ الخطاب الطائفي والتخويني والاستعدائي والإقصائي، وإعطاء الشباب القومي دورهم الحقيقي في صناعة التغيير والبناء المجتمعي.
شتوي
وكانت المداخلة الثانية للدكتور خليل شتوي الذي أشار إلى أنّ العالم شهد وصول ترامب إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة، كما أجريت انتخابات في كلّ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكذلك انفراد محمد بن سلمان بالحكم في السعودية، مشيراً إلى أنّ في أوروبا لا سياسة واحدة على رغم وجود منسّق للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي.
وأضاف: لقد أدّت الانتخابات البريطانية إلى خسارة رئيسة الوزراء الأكثرية النيابية، والسياسة البريطانية معروفة بتلاصقها مع السياسة الأميركية، كما أدّت الانتخابات الألمانية إلى تراجع شعبية الحزبين التقليديين وتقدّم اليمين المتطرّف.
وتابع شتوي مشيراً إلى الانتخابات الرئاسية التي أجريت في فرنسا وأوصلت إيمانويل ماكرون، وهو شاب دون الأربعين، إلى سدّة الحكم، والذي انسحب من المواجهة الغربية مع روسيا والصين، واندفع وراء البحث عن مصالح فرنسا بالدرجة الأولى، وأعلن ماكرون في مقابلة تلفزيونية أنه يجب التحدّث مع الرئيس بشار الأسد وضرورة عدم استبعاده من الحكم، وأشار إلى أهمية وضرورة الانتصار على «داعش» والقضاء عليه، وأن روسيا وإيران ربحتا الحرب في سورية، ويعتبر هذا الموقف متقدّماً ومغايراً للسياسة الفرنسية التي أعلنت عداءها للحكم في سورية وساندت «المعارضة السورية»، واستقبلت رموزها وأغلقت السفارة السورية في باريس.
وأشار شتوي إلى أنّ ماكرون وقف في أزمة الرئيس سعد الحريري خلال احتجازه في الرياض، وضغط لإنهاء احتجازه وانتقاله إلى فرنسا كمقدّمة لعودته إلى لبنان، وكان قد استقبل الرئيس الحريري بعد مغادرته الرياض كرئيس للحكومة اللبنانية، كما اعترض على أيّ إجراء أحاديّ في خصوص القدس، وانتقد قرار ترامب نقل سفارته إلى القدس. وأكد دعمه حلّ الدولتين، وأبدى استعداده للحوار مع إيران واعتبر أنّ المواقف التي أطلقتها السعودية ضدّ إيران لا تنسجم مع الرأي الفرنسي، وأكد تأييده ودعمه الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم مؤخراً.