وسلام على أمّ شهيدٍ لم يخلف عهد حليبها والأرض!
نصار إبراهيم
هنا أمّهات الشهداء… هنا فلسطين…! فانحنوا احتراماً!
والدة الشهيد عبد الحميد أبو سرور، والدة الشهيد باسل الأعرج، والدة الشهيد أحمد اسماعيل جرار، والدة الشهيد أحمد نصر جرار، والدة الشهيد محمد أبو خضير، والدة الشهيد مهنّد الحلبي.
طويلاً وعميقاً تأمّلت هذا المشهد المهيب، طويلاً تأمّلت هذه الوجوه والقامات العالية… وشيئاً فشيئاً طأطات رأسي حتى أصبح بمستوى وجه شهيد مسجّى في نعشه أو معفّر بدمه والتراب وبقايا خراطيش رصاصات أخيرة.
ستّ أمّهات يعانقن الحزن ذاته والفقد ذاته والفخر ذاته… فترسم عيونهن خارطة فلسطين التي أعطينها أجمل ما لديهن… أولادهن.
ست قامات فلسطينية تلازم ما تبقى من بيت وعلمٍ ينهض كما العنقاء من أعماق الدمار العظيم… وكأنه يقسم مع الأمّهات: نحن هنا باقون كالمستحيل…
ست أمّهات… هنَّ أرض التكوين حيث نبضت قلوب ستة شهداء نبضتها الأولى… هنا تعربشوا ذات طفولة صدورهن ورضعوا رشفة الحليب الأول!
هنا… في حضرة الوجع العالي… تحكي الوجوه كلّ منها على طريقته رحلة عمر مع إبن حملته قرب قلبها ثم أطلقته للريح… فمضى الأبطال على دروب أقدارهم… ذهبوا قبل أن يقبّلوا جبين أمّ تنتظر قرب باب أو نافذة علّه ينادي: ها قد عدتِ يا أمي!
ستّ أمّهات بأعلى وأبهى ما تكون الأمّ الفلسطينية… هنَّ الحب والوعد والحزن والفقد والحق والدمع والقمح والزيتون…!
هي أمّ الشهيد الفلسطينية الكنعانية بكامل جمالها وجرأتها… تلازم وعد ابنها الذي ربَّته وعلّمته… ثم أطلقته: كن فلسطينياً… كي تليق بفلسطين وأمّك…
قال لها: لن أخلف يا أمّي عهد الحليب والأرض… هذا وعد.
فسلام عليك يا أمّ الشهيد… يوم حملتِ… ويوم وضعتِ… ويوم أرضعتِ… ويوم أودعتِ ابنك حضنَ فلسطين…