طارق آل ناصر الدين سُلطاناً مكرّماً في «شهرياد»!

مثلما امتطى صهوة شعر المقاومة والغزل والحبّ والثورة منذ عقود ولم يمل أو يكلّ أو يقنط، بان المير طار آل ناصر الدين مساء الثلاثاء الماضي، سلطاناً على عرش الكلمة والشعر لا أميراً فقط. كيف لا؟ وهو الذي حضر حفل تكريمه، شعراء من أجيالٍ عدّة، تغنّوا به وبعطاءاته الفكرية.

الدعوة كانت من «ملتقى شهرياد»، الذي قرّر أن يكون كلّ أوّل ثلاثاء من كلّ شهر، موعداً لتكريم قامات فكرية وأدبية مبدعة. أما الحضور من الشعراء والأدباء، فتقدّمهم مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس النواب، رئيس الحركة الثقافية في لبنان الشاعر بلال شرارة، وأمين عام اتّحاد الكتّاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس، إضافةً إلى الفنان الملتزم أحمد قعبور، وكوكبة كبيرة من الشعراء والشاعرات، الكبار والكهلة والشباب.

أما الحضور الرسمي، فتمثّل بمدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد.

قدّم للأمسية التكريمية الشاعر الدكتور محمد ناصر الدين، وأدارها الكاتب اسكندر حبش، فيما ألقى الشاعر لامع الحرّ كلمةً تناول فيها نبض المير طارق الشعري ونضاله السياسي.

وقدّم رئيس الحركة الثقافية في لبنان بلال شرارة مداخلة عن الشاعر وقرأ مطلعها، ثمّ تابع قراءتها الشاعر والممثّل سليم علاء الدين وجاء فيها:

شكرا لكم على هذا التكريم، على هذا الانتباه إلى أب وأمير للشعر، في زمن يحاول فيه من يحاول تدمير الشعر كلاصق فريد، عجيب وغريب، فيما بيننا نحن العرب، وأن يجعل الشاعر لا شيء، مجرّد جملة شعرية ومساحيق على جمام القول.

أنا أزعم أن المير شاعر بحقّ، وبعضكم كذلك ولكن ليس كلكم. إنه ليس بالقليل أن نكون جمهوراً شعرياً، بل ربما كثير علينا ذلك وبعد.. وبعد…

لولا الشعر لكانت الثورة، كلّ ثورة بكاءَ أخرس، ورداً بلا عطر، ولكان الوجد نواح ياسمين. ولولا الشاعر لكنّا خرجنا عن مدار الصوت ووقعنا على مرمى الدمع.

ولولا المير طارق آل ناصر الدين، الشاعر، والإنسان الذي نحاول أن نجاري لغته وصوته لكانت دنيانا تقع خلف أبواب موصدة من السكوت والخوف.

هو رفيق مشهد الأمل العربي شعراً منذ «ثورة يوليو» في مطالع الخمسينات إلى هذة اللحظة القلقة. ولولا أننا نعرفه أباً عن جدّ، لزعمنا أنه عنصر سرّي وركن من أركان الثورة، اختارته ليكون وكيل لغتها بعيداً عن السلطة.

فهو منذ أن انطلق مارد شعوبنا من قمقمه في ربيع فصلٍ طبيعي، لم يترك سانحة إلا وأطلق الصوت، فيما كانت أفواه الآخرين تقع في الصمت.

ما أعرفه أنه منذ لحظة مصر الأولى لم تغمض عيناه، ولم يغب عن فلسطين، وكذلك الجزائر واليمن والعراق ودائماً سورية، بل وكل المشرق كما المغرب العربيّ وعموم أفريقيا وآسيا، بل حيث احتاجت قضية شعبية إلى صرخة موقف في برية الصمت.

كان الآخرون وما زالوا يدارون خيباتهم في الموت. كانوا يتجاهلون الذي كانوه، كانت أرواحهم تقتلهم صمتاً وحزناً. وحده كان هو وما زال عصفور المعنى المقيم دائماً في قرميد أسقف حلوقنا، وفي عمق أسماعنا وخارج أقفاص صدورنا الذهبية.

هو هكذا مذ عرفته، له في كلّ عرس من أعراسنا قرص، نصّ نابض بالأمل منتقد النظام الساسي بل كل أنماط السلطات، لا يداري أحداً ولا يقف تحت شبّاك أو شرفة أحد ولا يسكن في جيب أحد. هو وردة الشعر، عطره، فكرته جهته، مهرجانه برده وناره.

أدرك أنه الشاعر الواقف كنخلة الزمان بوجه عواصف الغبار التي تجتاحنا، وهو يقف في وجداننا كرمح في كل مكان من أمكنتنا، يشعلنا غضباً فنثور، وعندما يريد يشعلنا حباً عذرياً لا ندنس فيه حبيباتنا.

من بنت جبيل إلى حلبا ومن بعلبك إلى مدن الساحل يشهر المقاومة الثقافيه بوجه التصحّر وكل محاولة لقلب الحقائق. وعلى المساحة العربية ينحاز دائماً وأبداً إلى فلسطين، وهو يرتفع لغة وشعاراً للثوار في ساحات مصر من الميدان في القاهرة إلى الاسكندرية وسيناء، لا يقبل بأخْوَنَة مصر، ولا يكلّ أو يملّ حتى يستعيد جيش مصر البلد، وحتى تعود مدن العراق وسورية إلى القصيدة تنبض العروبة في قلبها.

هو تفاح قصيدة الوادي ورمّانها، تين حروفها، زيت قنديلها، ملعب فراشاتها، وحارس بيت الشعر يعلن تجديد قيامته في لحظة اتّساع أفق لكرز شفاه جميلاتنا، فيلقّن ما في القلب على اتّساع أفق جرودنا في لحظة القدس والقاهرة وحلب والموصل، ويعيد اجتماع أيدي سبأ فلا تنغلق البوابات ولا تنحبس القدس، ولا تقع القلعة في حلب، ولا تنردم خنادق طبرق وتعود أسيرة الماضي. وهو الصوت المرتفع والقلم المعترض على محاولات تدنيس هيكل الشعر وتدمير بنيان النصّ وجعل الإيقاع كثير النشاز. وربما كان أوّل من نبّه إلى سقوط الصفحات الثقافية أسيرة احتلال لغة حرب السيطرة والبترومثقّفين وجوائز الترحال وليالي الخطيئة التي تتكوّر فيها الحروف وتدور كالضباب. وهو أراد لنا أن يشعل كلّ منّا الضوء على صفحته الإلكترونية وأن يقول صراحته وأن يكتب، ينحت، يغنّي وينتصر على مساحات أوراق الصحف وزواياها ولغتها الخشبية التي تجهش بالبكاء وتزخز بالحزن والذي يتناوب علينا ونحن لم نمت بعد.

الآن، هو، ما زال على عهدنا، يتناول الشعر من أكمامه غزيراً كنبع الجبل الذي هبط علينا منه، كثير السهر يوصل ليل القصيدة بنهارها، نقطع عليه أفكاره، وأكمام قصيدته تتفتح بزهر أسمائنا.

بعد ذلك، فُتح المجال لتقديم التحيات إلى الشاعر المكرّم، فتحدّث على التوالي كل من: مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد الذي قدّم للشاعر المكرّم منحوتة فنّية أنجزها الفنان صلاح نبا، رئيس اتّحاد الكتّاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس، رئيس القسم الثقافي في جريدة «اللواء» الكاتب الياس العطروني، الفنّان أحمد قعبور، الكاتب الدكتور قصي، والشاعر حسين شعيب الذي ارتجل قصيدة في المناسبة.

ثمّ قدم الشاعر الدكتور محمد ناصر الدين شهادة تقديرية بِاسم «شهرياد» ومؤسّس المنتدى الشاعر نعيم تلحوق.

وفي الختام، كانت للشاعر المكرّم المير طارق آل ناصر الدين كلمة شكر فيها «شهرياد» والحضور والذين حيّوه، ولم يبخل على الحضور بباقة من أشعاره القديمة والمرتجلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى