يستهدفون إيران.. فيقتلون العرب كعادتهم!
د. وفيق إبراهيم
«الناتو العربي» الثاني من نوعه أصبح قيد التشكيل، مستهدفاً هذه المرة إيران بشكل مباشر عبر حلف خليجي مع مصر والأردن بقيادة أميركية وببنى عسكرية. ويزعم البيت الأبيض أنه لتحسين سلوك إيران، فيما يقول السعوديون إنه لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية فيها. وهذا موقف حلفائها الخليجيين. لكن «آكل الرز» الرئيس عبدالفتاح السيسي يشارك في التحالف بتغطية سياسية كبيرة من مصر وعسكرية رمزية من أجل تحصيل الغطاء السياسي الأميركي له مع مساعدات اقتصادية خليجية.. وكذلك الملك الهاشمي عبدالله الذي يسير على خطى أسلافه في فنون التآمر على «العرب» مقابل حفنة من مال وسياسة كحال زميله السيسي، الذي قال أمس للمصريين «أريد تحسين أوضاعكم وأنتم ترسلون لي «هاشتاغ» تقولون فيه «ارحل يا سيسي».. عيب والله عيب».
هؤلاء إذاً هم عرب اميركا المرشحة أعدادهم للازدياد بانضمام دول أخرى من أهل «المطاوعة» في القرن الأفريقي وشمال أفريقيا.
ما هي مرامي هذا «الناتو الجديد» بعد التراجع العسكري الذي أصاب «الناتو العربي الأول» في حرب اليمن؟ وخاصة أنهما متشابهان في التكوين، من حيث عدد الدول وقدراتها.. إلا إذا كان الرهان منصباً على توريط أكبر للجيوش الأردنية والمصرية.
يبدو أن التشكيل الجديد متزامن في توقيته مع تراجع النفوذ الأميركي في سورية والعراق ولبنان واتساع تراجعه في اليمن، حيث أوقف أنصار الله هجوم جيوش التحالف بقيادة سعودية إماراتية على الساحل الغربي لليمن. ويتواكب هذا التراجع مع صعود الدور الروسي والخشية من اتساع مداه في العالم الإسلامي بعد عروض إقامة قواعد عسكرية روسية في العراق وليبيا واستعداد معظم دول المنطقة لشراء أسلحة نوعية من موسكو. وهذا يقود إلى ارتباطات عميقة تبدأ بالسلاح وتصل حدود السياسة والاقتصاد، بالربط بين خصوصيات السياسة الأميركية المتراجعة في الشرق الأوسط وحاجات بلدان الخليج إلى تلبية «حاجات أميركا أولاً» على قاعدة الذهاب أبعد مما يريده الأميركيون.. فإيران عدو قوي مرهوب الجانب للنفوذ الأميركي في العالم الإسلامي، انتزعت منه الكثير من بؤر نفوذه في بعض أنحاء أفغانستان وباكستان وتركيا ولجمت دول آسيا الوسطى، كما تحالفت مع اليمن والعراق وسورية وحزب الله..
وإذا كان بوسع واشنطن التعامل مع الوضع الإيراني المتمدّد بتنوع كبير في رسائل المجابهة، فإن دول الخليج مصابة بذعر من إيران وتحالفاتها ونفوذها السياسي وأولوياتها لجهة قضية فلسطين. لذلك فإنها تنتهز الرغبة الأميركية بتدمير إيران، لتضيف عليها ما يتملكها من هوس بإلغاء منافسها النموذجي: النظام السياسي الإيراني.
لذلك يحاول البيت الأبيض بكل بساطة محاربة إيران بـ»جيوش العرب وأموالهم» وقيادته الرشيدة التي تخطط لتوتير منطقة الخليج من دون أن يكون لديها القدرة على الحسم.
وهذا يعني بلغة السوق الأميركية فتح «مناجم ذهب نفطية» لتغطية أكلاف هذا «الناتو العربي» وراعيه الأميركي الذي لا يعمل بالمجان أبداً. الأمر الذي يؤكد أن هذا الناتو يرتدي شكل آلية سياسية عسكرية استراتيجية لمنع المزيد من التراجع الأميركي في العالم الإسلامي. اما أسباب اختيار إيران كعدو أساسي لهذا «الناتو» فلأنها الدولة الوحيدة التي نجحت في اختراق النفوذ الأميركي في ملعبه التاريخي في الشرق الأوسط الذي يسيطر عليه بإحكام منذ تاريخ إبرام معاهدة كوينسي في العام 1945 بين روزفلت وعبد العزيز السعودي على أساس المبادلة بين الحماية والنفط.
ما يمكن استخلاصه أن هذا «الناتو» ليس مبنيّاً لمرحلة قصيرة. بقدر ما هو مشروع دائم شبيه بالناتو الغربي الأصلي الذي جابه الاتحاد السوفياتي وأسقطه في 1989.. والمراد منه تأسيس بناء سياسي اقتصادي عسكري جيوبوليتيكي يستطيع الإمساك بدول العالم الإسلامي كاملة، بواسطة أسلوب العصا الأميركية والجزرة الخليجية النفطية والدينية.. وهنا يدخل دور الملك السعودي بالصفة التي ينتحلها على مستوى خدمة الحرمين الشريفين.
هذا يكشف أن الأهداف المسدد عليها تبدأ بإيران لتصل على الدور الروسي والاقتصاد الصيني والأوروبي والهندي.. هؤلاء لن يسمح لهم «الناتو العربي» بالتوغل عميقاً في العالم الإسلامي إلا بالقدر الذي تحتاجه واشنطن. وهكذا يصبح النفط والدين وحروب التأديب وتفجير الأوضاع الاجتماعية وسائل هذا الناتو الجديد، يستعملها الكاوبوي الأميركي في سبيل تدعيم هيمنته.. ويؤمنها الخليجيون برحابة صدر لأنها تؤمن لهم استمرار أنظمتهم أزماناً جديدة بسياسات القرون الأوسطية نفسها، المبنية على أسس لم تعد موجودة في أي مكان في العالم، باستثناء الخليج.. فهل يوجد بلد واحد لا تحكم الدساتير والقوانين العلاقات بين مؤسساته السياسية والمجتمع.
أما السؤال الذي ينبثق تلقائياً فهو أين إيران من كل هذه الأمور؟ فعلى مستوى القانون الدولي، فإن طهران لم تشنّ هجوماً واحداً على الدول المجاورة لها منذ الفتوحات الإسلامية.. ولم تعتدِ على الخليج، وليس لديها قواعد عسكرية في المنطقة أو خارجها. أما الذي قتل مئات الآلاف من العرب والمسلمين فهي الحروب الأميركية التي اندلعت منذ بداية القرن وشملت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى ولم تهدأ بعد، كذلك «إسرائيل» التي أبادت نحو مليون فلسطيني ومصري وسوري ولبناني وأردني..
فكيف يجيز الخليجيون و»أكلة الرز» اعتبار إيران عدواً أساسياً
لهم ويتحالفون مع «قتلة العرب والمسلمين» ويمولون أكبر إرهاب في التاريخ؟
أميركياً، يبدو التركيز على إيران، هدفاً نموذجياً يتضمن المسائل المعادية للبيت الأبيض كلها، من تأييد القضية الفلسطينية ودعمها بالسلاح والأموال إلى دعم المقاومات المعادية للأميركيين والإسرائيليين كلها في العالم الإسلامي، وما تشكّله من خطورة على مستوى إمكان بناء تحالفات استراتيجية مع روسيا والصين.
كما أن إيران ذات الغالبية الشيعية تبقى وسيلة نموذجية لإثارة التباينات المذهبية في العالم الإسلامي فيبقى ضعيفاً تقوده واشنطن بسهولة ويسر، كما يعتقدون.
هل هذا، يعني أن بوسع الناتو الخليجي القضاء على إيران؟
لم يؤسس الأميركيون هذا الناتو العربي إلا كآلية تمنع تدهورهم وتحول دون إسقاط الأنظمة الموالية لهم، وتضع حداً للاختراقات من قبل الدول العالمية الصاعدة والاقتصادية.
ويبدو ان هناك اتجاهاً أميركياً حقيقياً لقيادة معظم العالم على أساس صيانة النفوذ الأميركي من خلال تشكيل خمسة احلاف من الناتو، هي كالآتي:
الناتو الغربي الأميركي لمواصلة الإمساك بأوروبا وكندا وأستراليا وصدّ روسيا.
الناتو العربي: لصيانة العالم الإسلامي أميركياً.
الناتو الأفريقي وهدفه منع التغلغل الاقتصادي الصيني والسياسي العسكري الروسي والهندي والتركي في قارة غنية بالثروات ولا تزال بكراً.
الناتو الخاص بجنوب شرق آسيا، وهدفه مجابهة الصين ومنع تمددها.
الناتو الخاص بأميركا الجنوبية: الذي يريد محاصرة فنزويلا ومثيلاتها والحيلولة دون تشكل قاعدة معادية لواشنطن في قارتها الأساسية.
بهذه الطريقة يحاول الاستراتيجيون الأميركيون تشكيل آليات تحول دون انهيار الجيوبوليتيك الأميركي وتردع الآخرين.
وهكذا فإن العرب مدعوون لتمويل أهداف النفوذ الأميركي بالمال والحروب، فيما يستطيعون تأمين استمرارهم بكلفة قليلة تبدأ من الحوار مع إيران وصولاً للتحالف معها على مستوى العالم الإسلامي.