داعش آخر أوراق أميركا في الجنوب…
جمال محسن العفلق
التنف مثلث التقاء الحدود العراقية الأردنية السورية والذي احتلته القوات الأميركية لتقيم فيه معسكر تدريب لقوات عسكرية معارضة تدّعي أنها «معتدلة» لمحاربة الجيش السوري، هذه القوات التي لم تظهر بعد على الأرض ولكن الواضح انّ مجموعات من داعش الإرهابي هي التي كانت تتلقى الدعم من القوات الأميركية وبدا ذلك واضحاً من خلال الهجوم البربري الفاشل الذي شنّه داعش على قرى ريف السويداء الشرقي في الخامس والعشرين من شهر تموز من هذا العام، والذي نتج عنه انكسار المجموعات المهاجمة وفشلها في السيطرة على المنطقة الممتدّة على أربع قرى وبعمق ممتدّ نحو البادية السورية وصولاً الى التنف.
واليوم وبعد مضيّ ثلاثة وسبعين يوماً على الهجوم الدموي البربري والتي استطاع داعش فيه أخذ أسيرات من القرى يبلغ عددهم ستة وثلاثين أسيرة تمّ تصفية البعض منهم وآخرهم الشهيده ثراء أبو عمار التي قتلها التظيم رمياً بالرصاص مدّعياً السبب في ذلك ما يقوم به الجيش السوري في تلول الصفا ومطالبته بوقف العمليات كما طالب التنظيم الإفراج عن معتقلات يدّعي وجودهنّ في السجون ولكنه لم يعط ايّ أسماء أو يحدّد عدداً إنما رمى المتحدث باسم التنظيم هذه الكلمات كمبرّر لعملية القتل التي نفذها بحق الأسيرة لديه وقد أعطى مهلة ثلاثة أيام انتهت في الخامس من شهر تشرين الأوّل/ اكتوبر الحالي انه سوف يصفّي من تبقّى لديه من أسرى بمن فيهم الأطفال.
ما يفعله التنظيم الإرهابي ليس بجديد على المنطقة وليس بالغريب على تنظيم تدرّب عناصره على يد الموساد والمخابرات الأميركية ووفق أجندة عربية مصدرها الفكر الوهابي الذي يرفض الآخر حتى لو كان مسلماً، ما دام ليس من روّاد المدرسة الوهّابية، وجرائم التنظيم المدعوم اليوم من أميركا لا يمكن إحصاء عددها منذ بزوغ نجمه وحصوله على أسلحة نوعية وأموال لا تعدّ ولا تحصى.
الواضح من تعنّت التنظيم في المفاوضات المفترضة معه للإفراج عن الأسيرات هو تلقيه دعم دولي كبير، وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية فالتنظيم ميدانياً في الجنوب فقد أكثر مواقعه ولا يوجد طرق إمداد له إلا عبر القوات الأميركية في التنف، وهذا دليل على أهمية هذه الورقة بالنسبة للمحتلّ الأميركي، فاتفاق سوتشي الأخير والمفترض انه سوف ينفذ خلال الأيام المقبلة تحت إشراف روسي تركي يلزم الجماعات المسلحة بإخلاء منطقة بعمق 15 كم من السلاح وتحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية التركية، كما أنّ وصول منظومة «أس 300» بهدفها المعلن منع وصول الطيران الصهيوني الى ايّ أهداف في سورية بعد إسقاط الطائرة الروسية عن عمد، يجعل الإدارة الأميركية في حاجة إلى ورقة ضغط يستخدمها في معركته السياسية، فداعش كما التنظيمات الأخرى التي صنعها المال العربي والسلاح الصهيوأميركي كان هدفها في سورية تدمير محور المقاومة وعزل حزب الله عن محيطه لضربه لاحقاً، ولكن الواقع يقول انّ محور المقاومة أصبح أكثر قوة، وحزب الله اكتسب خبرة ميدانية وعملية زادت من قوّته ومن حاضنته الشعبية والإقليمية.
فالمنطقة مقبلة اليوم على توازنات جديدة أهمّها سيطرة الجيش السوري على معظم الأراضي وتحريرها من الجماعات الإرهابية وتمسك الحليف الروسي أكثر من أيّ وقت مضى بمواقعه ورفضه ايّ مسّ بالخارطة السورية من خلال توازنات إقليمية، أما على صعيد الداخل السوري فقد فقدت «المعارضة» المسلحة والإسلامية تحديداً أوراقها، أو أيّ تعاطف شعبي كانت قد اكتسبته في الماضي بفعل الإعلام والأفلام المركبة التي بثتها «الجزيرة» و»العربية» وغيرهما من القنوات التحريضية التي استخدمت الفضاء لبث سموم الطائفية والأفكار التكفيرية.
وما قد يتحقق بعد الخامس عشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر الحالي في إدلب سوف يفتح المجال واسعاً أمام الجيش السوري في رصد كافة الجماعات الإرهابية المتبقية وخصوصاً داعش في الجنوب والمتمركز الآن شرق القرى الشرقية في محافظة السويداء في مناطق وصفها المراقبون بالأشدّ وعورة والأصعب تضاريس في المنطقة، ولكن هذا كله لن يغيّر بمعادلة القوة، فالدعم الأميركي لن يستمرّ طويلاً وخصوصاً بعد فضيحة ترامب في خطابه المهين عن السعودية والمبالغ الضخمة التي طلبها والمتوقع أنها وصلت إليه عشية الخطاب فالانبطاح العربي للبيت الأبيض ليس بالجديد، وتسليم مقدرات النفط وإدارته للشركات الغربية ليس بالجديد، حيث يطالب الأميركان اليوم نسبة 25 من إيرادات النفط مقابل حماية العروش ودعم جرائم السعودية في اليمن والسماح للكتب الوهابية بالانتشار في المناطق الفقيرة من العالم.
إنّ الورقة الإرهابية التي يتمسك بها الأميركيون اليوم في طريقها للاحتراق ولن يتبقّى منها إلا الرماد، وما بقي في الأميركان بعض فصائل الأكراد وهذه الورقة ستلاقي رفضاً ومحاربة من حليف أميركا السابق أردوغان، وهو ما سوف يعجّل بقرار انسحاب القوات الأميركية من سورية وهذا لن يكون بدون ثمن تحاول الإدارة الأميركية البحث عنه وطلبه.