لاريجاني استطلاع مبكر لملاقاة بوغدانوف
ناصر قنديل
– الزيارة التي قام بها المبعوث الفرنسي جان فرنسوا جيرو إلى بيروت لا تشبه بشيء الزيارة التي قام بها بصورة مكوكية نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف بين بيروت ودمشق، ولا تلك التي يقوم بها رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني لبيروت ودمشق وبغداد.
– زيارة المبعوث الفرنسي ومن بعده رئيس وزراء فرنسا محاولة للبحث عن موطئ قدم لدولة عظمى كانت الراعي الأهم للسياسة في البلدين التوأمين لبنان وسورية، وهي من رسم حدود الاستقلال والتوأمة بينهما عبر فصلهما من جهة، وربطهما بمجلس للمصالح المشتركة يضم مصرفاً مركزياً واحداً وعملة موحدة وجمارك وإدارة تبغ وتنباك وهيئة اتصالات وشبكتها الموحدة مثلها مثل شبكة سكك الحديد، هذه الدولة العظمى خسرت كل شيء، بعدما كانت وهي بصفة المستعمر والمحتل وما بعدهما تربح، لأنها كانت تفكر، فرنسا التي لا تفكر، تصير مثل دجاجة حفرت وعلى رأسها عفرت، فقامرت بكل ما لديها وجاءت تتذاكى بلا أصدقاء وبلا أفكار وبلا دور.
– فرنسا المقامرة كانت تحتفظ بعد حرب تموز بورقة اسمها تحييد نفسها من دائرة أعداء سورية الذين تتقدمهم أميركا، وكانت تتلمس الطريق لتبرير نفسها أمام المسيحيين الخائفين من مواقف الغرب ورهاناته على الفوضى التي صرحت بها غونداليسا رايس علناً في قلب حرب تموز 2006 وفرنسا ترتبك فلا تتبنى الفوضى ولا تقدم بديلها، حتى جاء المسمى بالربيع العربي فصارت فرنسا رأس حربة الفوضى وصارت رأس حربة العداء لسورية، دولة التعدد والتشارك والقانون المدني الأهم في المنطقة والنموذج الذي يطمئن إليه المسيحيون والذي يراه المقاومون والاستقلاليون قلعتهم، انحازت فرنسا وتطرفت في انحيازها، فقامرت للحصول على فتات من ذاكرة موهومة لاستعمار مضى وانقضى، وشاركت أحلاماً عثمانية ماضوية لحاكم تركيا ليخسرا معاً، وتصير زيارة جيرو فولكلوراً رثاً بلا روح، لا يجد من يفتح له الأبواب السرية ويعود كقارئ ممتاز للصحف لأنه لم يسمع من أحد إلا ما يقال في صحافة بيروت.
– جاء بوغدانوف مؤسساً للدور القادم، حيث روسيا الشريك الكامل بصمود سورية ومعها المقاومة، هي روسيا الشريك الذي فرض حضوره في صناعة التسويات، على مساحة العالم من أوكرانيا إلى إيران ووصولاً إلى سورية أم الأزمات وأم المعارك، وأم التسويات، وعبرها ومعها يصير على بوغدانوف المرور ببيروت والعودة إليها، لتأكيد دور روسيا الجديد في رعاية الحلول من جهة، والموقع المحدد في التحالفات من جهة أخرى، ومعهما وعبرهما، روسيا الراعية للوجود المسيحي في الشرق الذي خرجت فرنسا من المعادلة لأنها قامت بخيانته، بوغدانوف يؤسس لدور روسيا المقبل في شرق المتوسط وهو يعلم كركن من أركان الديبلوماسية الروسية، أن مهمته تبدلت من المناورات التفاوضية لتمرير الأوقات الصعبة، والإيحاء بالاستعداد لتقديم التنازلات، إلى حماية الثوابت، والوقوف كمرجع للتنسيق بين أطراف التحالف الذي تكرس بزيارته للسيد حسن نصرالله وكلامه عند الرئيس الأسد، وعنايته بحاجات سورية ومستلزمات صمودها مكلفاً من الرئيس فلاديمير بوتين.
– بوغدانوف هو البديل الدولي الذي سيحتل مكان جفري فيلتمان، في صناعة السياسة في المنطقة، حتى لو حضر فيلتمان بالصورة فهذه المرة يختلف الأمر عما مضى والتفرد الأميركي بصياغة أقدار المنطقة التي غيرت بصمود شعوبها وجيوشها ومقاومتها معادلات وأقدار.
– علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني لا يصل دمشق وبيروت وبغداد، في جولة تستعمل المنصة الإعلامية لإصدار مواقف، ولا لتنسيق أنشطة وحركات مشتركة تقنياً مع برلماناتها، فلاريجاني الذي تولى التفاوض مع الغرب حول الملف النووي لبلاده، هو واحد من قلائل يمسكون بتفاصيل ما يدور في كواليس التفاوض، الدولي مع إيران، وما يتصل منه بالخريطة الإقليمية تحديداً، ولاريجاني الذي يتقدم بقوة لحجز مقعد الشخصية الموازية للرئيس حسن روحاني، تحت مظلة السيد على الخامنئي، يخلف الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي كان صاحب المقعد لسنوات، فلاريجاني يمثل التكتلات الإيرانية الداعمة للمقاومة وسورية والجسر السوري العراقي اللبناني مع إيران، والتي يتقدمها الحرس الثوري من جهة وتضم البرلمان والهيئات الاجتماعية والدينية من جهة مقابلة، وهو السياسي المخضرم القادر على الجمع بين صفتي المهيأ للإمساك بملف التفاوض أو التحضير لإدارة التفاوض الإقليمي حول التسويات في لبنان وسورية من موقع إيران كقوة إقليمية عظمى، ومعها الداعم والمساند والحليف الثابت الذي لا يتخلى، إيران دولة عظمى تحترم تحالفاتها وتتمسك بها لأنها تدرك لماذا بات الجميع يسلم بقوتها وحضورها ووجودها كضامن للاستقرار في منطقة، يجمع العالم كله على اعتبار الإرهاب المتجذر فيها عدوه المشترك.
– لاريجاني البرلماني يعرف أن رئيس المجلس النيابي اللبناني هو الشريك المفاوض لصناعة الرئاسة في لبنان، ويعرف أن برلمان سورية لعام 2016 هو مائدة الحلول والتسويات، وحضور المراقبين من البرلمانات العالمية سيكون عنوان ولادة التسويات المنتهية بالاعتراف بشرعية الدولة السورية وإعادة العلاقات معها، وأن البرلمان الإيراني والبرلمان الروسي سيكونان الشريكين الرئيسيين في تنظيم الضيوف، كما يعرف أن بدء التسويات هو تثبيت الاعتراف بمكانة الرئيس بشار الأسد في سورية ودور المقاومة في لبنان، وموقع الرئاسة اللبنانية الحساس لهما من جهة، ومستلزمات الدور هنا، تأكيد رفض المقايضة على أوراق القوة، من جهة مقابلة، وفي لبنان القوة هي الحلف الحامي للمقاومة ودور المسيحيين فيه وهم المعني الأول بالرئاسة، وفي سورية أوراق القوة هي الجيش والدستور والرئاسة، وتأكيد مواصلة الدعم اللازم لصمود الاقتصاد.
– لاريجاني وبوغدانوف يصيغان الدولي والإقليمي ومقابلهما جيفري فيلتمان وداوود أوغلو وسعود الفيصل، منتصران مقابل مهزومين، في منطقة وفي بلدين تحديداً هما سورية ولبنان شكل صمودهما وشكلت تضحياتهما، عاملاً حاسماً في تقدم روسيا وإيران إلى الصف الأول.