مصر وتونس واليمن وليبيا: سقوط الربيع… نهاية الحرب… تحيا سورية

ناصر قنديل

– ثمة ثلاث فرضيات لا أربع في تفسير ما شهدناه خلال سنوات تحت مُسمّى الربيع العربي، الأولى أن تكون حراكاً شعبياً سياسياً محلياً صرفاً لا علاقة للخارج به، والثانية أن تكون محض صناعة خارجية استغلت واستثمرت على حالة غضب شعبي كان موجوداً، ولم يكفّ عن الوجود، لكن جاء وقت تنظيمه وتوظيفه على يد خارج معلوم فأطلق الصفارة، الثالثة أن تكون خليطاً من الاثنين… فهي إما بداية محلية بتزاوج الشعبي والسياسي تنبّه له الخارج كفرصة لمشروع فركب موجته وتحكّم بمساراته، أو بدأه بإشعال شرارة منتظراً تجاوباً وتفاعلاً من الشارعين الشعبي والسياسي، وهو الممسك بدفة الأمور يتحكم بها ويرسم حدودها، ما يعني أنها عملياً إما ثورة شعوب أو مؤامرة، أو بداية ثورة قادتها مؤامرة أو مؤامرة فجرت واستثمرت على مناخ ثورة وصادرتها.

– أياً كانت الفرضية الأصحّ والأقرب إلى الواقع في تفسير ما جرى، والأكيد أنّ الفرضية الثالثة هي الأقرب، فمما لا شك فيه وبإجماع الوقائع المتراكمة أنّ سورية كانت الهدف النهائي للذين فجروا شرارة المؤامرة لتثمير واستغلال وضع ثوري، أو الذين ركبوا موجة ثورة وصادروها حتى صارت ملك أيديهم، فالمناخ الذي ساد العالم العربي أثر على الشارع السوري من جهة، والتهاوي السريع للحكام خلق قدراً من الذعر والتسليم أنّ قدر سورية السقوط من جهة أخرى، فأصابت الحرب النفسية في كلّ اتجاه أهدافها في سورية، سواء باستنهاض شرائح شعبية ونخبوية للخروج ضدّ الدولة في سورية، أو في زرع اليأس والذعر في وسط شرائح موالية لهذه الدولة وهي ترى رؤوس الحكام تتهاوى.

– وأياً تكن الفرضية الأصحّ لفهم ما جرى، والأرجح أنّ الفرضية التي تجمع الثورة والمؤامرة هي الأقرب للواقع، فإن ظهور «الإخوان المسلمين» كقوة قائدة لهذه التحولات السياسية والجاهزة لتسلّم الحكم من جهة، والرعاية القطرية التركية لقيادة زخم هذه الاندفاعة، لم يكن بعيداً عن مشروع جاهز ومتفق عليه مع الغرب وعلى رأسه أميركا للنيل من سورية، من جهة مقابلة، وتنظيم الإخوان هو الجهة المهيأة لمثل هذه المهمة، وتوليها الحكم في أهم البلاد العربية كان بالتأكيد تعزيزاً لتمكينها من فرصة الفوز بالحرب على سورية وصولاً إلى إسقاطها، والأكيد أيضاً أن جزءاً لا يُستهان به من أهداف هذه الحرب التي لأجلها كان الربيع، أو أنها نجحت في توظيفه والتحكم بمساراته، كان تدمير حلف المقاومة عبر إسقاط سورية، لكن التدمير الأخطر عبر تحويل «الربيع العربي» مع الإخوان المسلمين بصبغتها الدينية والمذهبية إلى بداية فتنة مذهبية لا تبقي ولا تذرّ، من بوابة الحرب على سورية لتشمل لبنان والعراق وتحاصر إيران في نهاية المطاف، وتريح إسرائيل أولاً وأخيراً، سواء كان ذلك كما نراه بصفقة متفق عليها مع تركيا وحلمها العثماني، أو كان مجرّد تقاطع مصالح بين خماسين الربيع والعواصف «الإسرائيلية» على أهداف واحدة.

– مع تداعي حكم الإخوان في مصر وتونس وصولاً إلى السقوط المدوّي، وثورة الحوثيّين في اليمن وبالتالي انهيار المشروع السعودي والإخواني معاً، واشتعال ليبيا وتشظي فرص تحوّلها قاعدة إلى مشروع الإخوان، تسقط فرصة الإخوان المسلمين التاريخية، في تسلّم السلطة في بلاد كانت تحكمها بقوة ثورة شعبية ويصعب أن تقوم لها قائمة فيها بعدما أضاعتها، خسرت الحرب على سورية والفتنة المذهبية شرطاً رئيسياً من شروط تقدّمها، فالمزاج الشعبي العربي الغاضب من الإخوان منتصر لسورية حكماً، مهما كان موقف الحكام الجدد بعد حقبة الإخوان، والجيوش المنتفضة على الإخوان استقوت واستنهضت همّتها من صمود وانتصارات الجيش السوري في وجههم، والقدرات المعنوية والبشرية والعسكرية التي كان يوفرها حكم الإخوان لمواصلة الحرب على سورية فقدت أسبابها وسقطت قواعد انطلاقها، وتبدّدت ريحها، فصار الإخوان يستجمعون ما لديهم لنجدة حربهم في مصر وتونس وليبيا واليمن بعدما كانوا يسخّرون موارد هذه البلاد ويستنهضون شبابها للحرب على سورية، والفتنة التي كانت شروطها متوافرة بوجود قوة لها صفة دينية على رأس الحكم وبلون مذهبي وخطاب مذهبي، لم تعد موجودة، بينما الجيوش والنخب الليبرالية ليست قواعد وركائز صالحة لخدمة الفتنة لو أراد القيّمون عليها، فكيف وهم في تحدّ مفتوح ضدّ العدو المشترك للجيش والنخب السورية وهو المشروع الإخواني.

– سواء كان سقوط الإخوان تلقائياً بسبب سوء أدائهم وفشلهم الذريع في التعبير عن إرادة وتطلعات الشعوب التي عاشت خدعة الربيع العربي، أو كان السقوط قراراً خارجياً ممّن منحهم الحكم بشرط النجاح بإسقاط سورية فاسترده منهم لما فشلوا، أو كان السقوط خليطاً من نقمة وأسباب داخلية مع تغاض ورضا خارجي، فالأكيد أنه وهو الأقرب إلى الخيار الثالث، يعني زوال العامل الحاسم الذي ارتكزت عليه الحرب على سورية، وهو صعود قوة قيادية جديدة في الشارع العربي ووصولها إلى مواقع الحكم، تماماً كما حدث في ثورات الخمسينات والستينات، لتعلن إغلاق دفاتر حساب الأنظمة القومية التي افتتحتها الجيوش، لحساب أنظمة الإسلام السياسي التي يديرها الإخوان المسلمون. والعالم العربي اليوم يستدير مجدداً نحو الأنظمة القديمة نفسها، ما تبقى من نظام حسني مبارك يطلّ بنسخة منقحة بسحر جمال عبد الناصر مع عبد الفتاح السيسي في مصر، وما تبقى من نظام زين العابدين بن علي يطلّ منقحاً مستقوياً برمزية الحبيب بورقيبة مع باجي قايد السبسي في تونس، وعلي عبد الله صالح يعود إلى المسرح اليمني من جديد ضمن جبهة الخلاص من اللعنة التي جلبها الربيع المشؤوم، وعندما يصير شعار شعوب مصر وتونس واليمن وليبيا سقا الله أيام العسكر، يفرح السوريون في سرّهم أنهم لم ينخدعوا ولم يشربوا الكأس المسمومة، ويقولون الله محيّي الجيش.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى