دبابيس

أحمد طيّ

أواخر عام 2012، شغل الصديقان نضال درويش وخلود سكرية لبنان كلّه بإعلامه ومؤسّساته الدستورية، إذ كانا الـ«Couple» اللبناني الأوّل الذي عقد قراناً مدنياً مئة في المئة، على الأراضي اللبنانية. ثمّ ما لبثا أن انتصرا، وانتصر معهما العلمانيون الكثيرون، حين حظيا باعتراف رسميّ يفتي بجواز عقد زواج مدنيّ في لبنان. إذ أبدت الهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل التي شكّلها وزير العدل آنذاك شكيب قرطباوي، رأيها في إمكان تسجيل عقد زواج خلود سكرية ونضال درويش، ولاحقاً سُجّل زواجهما مدنياً في سجلّات النفوس اللبنانية.

الحب الذي جمع نضال بخلود وزواجهما أثمر لاحقاً طفلاً أسمياه «غدي»، الذي سرعان ما حظي بلقب سيلازمه إلى الأبد: «الطفل اللبناني الأوّل المتأتي من زواج مدني لبناني مئة في المئة».

ولد غدي، وصار يحظى بالمحبّين يوماً بعد يوم، حتّى أنّ اسمه ـ خلال فترات معيّنة ـ سبق اسمَي والديه إعلامياً. وصار غدي ذلك الدليل الحيّ الواضح، على أنّ النضال المستمرّ من أجل قضية… يثمر انتصاراً.

مؤخّراً، أعيد إحياء ملفّ الزواج المدني في لبنان. وذلك بعد التملّص الذي أعلنه وزير الداخلية «القبضاي» نهاد المشنوق من تسجيل أي زواج مدني يعقد في لبنان.

وهنا، يستحضرني ما سمعته على إحدى القنوات الإذاعية الدينية ذات يوم، وهو برنامج حواريّ مع أحد رجال الدين، ويتخلّله أسئلة من المستمعين، يجيب عليها الشيخ «العالم»!

استفسر أحدهم من الشيخ، عن زواج خلود ونضال المدنيّ المعقود في لبنان، وطبعاً سأله عن رأي الدين.

أذكر جيداً ما قاله رجل الدين آنذاك، إذ أجاب قائلاً: «إنّها جريمة بامتياز، ماذا يعني أنّهما تزوّجا مدنياً؟ هل يدركان أنّهما ارتكبا جريمةً، خصوصاً بحق الطفل الذي أنجباه؟ هل يعلمان أنّ هذا الطفل سيكون بلا دين؟ ومن يعرف؟ ربما يصبح مجرماً، شاذاً، لصّاً، مدمناً على المخدّرات، ابن شارع….»، ثمّ أمطر الطفل غدي بوابل من صفات السوء.

أقولها صراحةً، أنّ كلام «عالم الدين» هذا أضحكني في سرّي حتّى الثمالة التي جعلتني أهزّ رأسي وأنسحب من المكان الذي اضطررت لسماعه فيه. وعليه أردّ:

هل أصبح رجال الدين عرّافين وعالمين بالغيب ومستقبل الحياة، حتّى حكمت على طفل بمستقبل أسود؟ ومن قال لك أنّ كلّ من آلى العلمانية واللاطائفية، واللاانتماء إلى أيّ مذهب أو طائفة أو ملّة، مجرم وقاتل ولصّ وشاذ؟

هل كلّ اللصوص والحرامية والمجرمين في لبنان ـ وفي العالم كلّه ـ أنجبهم أهل تزوّجوا مدنياً؟

هل أثبت الانتماء الديني أن كلّ من احترفه، رُدع عن الرذيلة والجريمة والشواذ وسوء التصرّف… يا أخي وقلّة التهذيب؟

هل كل «الأوادم» في لبنان متديّنون لا «مدنيين» أو علمانيين؟ وهل كلّ العلمانيين «زعران»؟

ماذا تقول عن المتطرّفين دينياً، عن الإرهابيين وقاطعي الرؤوس وباقري البطون وآكلي الأكباد والمستميتين للنكاح على الأرض «جهادياً»، وفي «العلياء» مع الحوريات؟

يا سيدي الشيخ، ما علّمتني إياه الحياة، ببساطة، أنّ التربية في البيت أساس كل شيء. وكما يربّيني أبي وأمّي أكون. وما أعرفه عن صديقيّ نضال وخلود، أنّهما مثال في الأخلاق الحميدة، والثقافة، والحق، والخير، والجمال الخُلقي، وأنّ ابنهما الحبيب غدي، سيتربّى على هذه الفضائل، وسيحبّ الله الواحد اللاطائفي، وسيحبّ بلاده ووطنه، ولن يكون إلّا بارًّا بهذا الوطن.

يا سيدي الشيخ، غد غدي يبنيه هو وأمّه وأبوه، وغدي ليس مضطرّاً لأن يسمع أيّ «تبصير»!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى