القوة العربية المشتركة… ما الهدف؟
راسم عبيدات
اتفق رؤساء أركان الجيوش العربية الأعضاء في الجامعة العربية، التي لم تعد تنطق بلغة الضاد ولا تخدم قضايا الأمن القومي العربي وحماية الوطن والمواطن من قريب او بعيد على تشكيل قوة عربية مشتركة… ومثل هذه القوة العربية المشتركة أجزم إلى حدّ المطلق بأنّ تشكيلها ليس بهدف تحرير فلسطين او استعادة لواء الاسكندرون أو تحرير الجولان او أيّ أرض عربية أخرى مغتصبة… ففلسطين مضى على اغتصابها 67 عاماً، ولو سلمت من العرب ومؤامراتهم وتدخلاتهم لكنا الآن قد تحرّرنا من الاحتلال، ولكن الكثير من العربان جعلوا من قضيتنا شماعة لكي يبيّضوا صفحاتهم، وليظهروا أمام شعوبهم بأنهم قادة وطنيون وثوريون، أو لتبرير قمعهم للمعارضة… وكذلك اتخذوا منها بوابة للارتزاق والتكسّب.
إذا لم يكن الهدف من تشكيل هذه القوة تحرير فلسطين، او حماية الأمن القومي العربي، فما هو الهدف من تشكيل هذه القوة؟ وما هي المهام التي ستناط بها؟ ولمصلحة من ستعمل؟ ومن ستخدم؟
هذه الأسئلة هامة وضرورية جداً… فالحالة العربية الراهنة الآن، عدا عما تعيشه من حالة شرذمة وتفتت، نجد أنّ الدول العربية تخوض مع بعضها البعض حروب تدمير ذاتي، العديد منها وبالذات مشيخات الكاز والنفط متورّطة في تمويل ودعم وتسليح وتجنيد وإرسال الجماعات الإرهابية بمسمّياتها المختلفة «القاعدة» ومتفرّعاتها من «داعش» و»نصرة» و»سلفية جهادية» و»جيش الفتح» وغيرها، من اجل ممارسة القتل والتدمير والتخريب في العديد من الدول العربية، وعلى وجه التخصيص في سورية والعراق، ويُضاف إلى ذلك الآن الدول العربية تخوض جيوشها صراعات وحروب مباشرة كما يجري في عدوان السعودية على اليمن، وما يجري من دعم من بعض الدول العربية للجماعات الإرهابية والمتطرفة في سيناء ضدّ الجيش المصري وأمن مصر.
إذاً… لا يوجد اتفاق على مفهوم الأمن القومي العربي المشترك، ولا طبيعة الأخطار المحدقة بالأمة العربية، ولا حتى الأعداء الحقيقيين للأمة، في ظلّ محاولة البعض حرف الصراع عن قواعده وأصوله من صراع عربي صهيوني الى صراع عربي- ايراني «فارسي»، بحيث جعل الغرب من إيران «الفزاعة» التي يهدّد بها العرب وبالتحديد مشيخات النفط والكاز، والهدف واضح، استمرار «حلب» تلك المشيخات مادياً، من خلال بيعها السلاح الحديث والمتطور، والذي يسهم بشكل كبير في تشغيل مصانع وشركات وكارتيلات السلاح الأميركي والأوروبي الغربي، وتوفير فرص عمل وتحقيق رفاهية ونمو اقتصادي على حساب العرب وأموالهم ونفطهم.
ان تشكيل قوة عربية مشتركة، ضروري ومطلوب في حالة وجود عمل عربي مشترك وموحد، مصالح مشتركة، استراتيجية ورؤية مشتركتين، ولكن تشكيلها في ظل الظروف والأوضاع التي تعيشها الأمة من خلافات وصراعات وانقسامات وحروب تدمير ذاتي، يجعلنا متشككين من الهدف من تشكيلها، ولمصلحة من تشكل؟ فهي لن تشكل لا لتحرير فلسطين، او أية أراض عربية مغتصبة، ولا لمحاربة الإرهاب والتطرف، فنحن نشهد ونرى بأن دولاً من النظام الرسمي العربي انتقلت الى مرحلة، ليس فقط التنسيق والتعاون السري مع «اسرائيل»، بل الأمور أصبحت علنية.
لعلّ ما يجعلني متشككا في أمر هذه القوة والطريقة التي ستشكل بها، بأنّ خلف تشكيلها تقف أهداف، غير المصلحة العربية والأمن القومي العربي، فلعل لقاء اوباما مع قيادة المشيخات العربية في «كامب ديفيد»، لم يكن بغرض طمأنة تلك المشيخات من التزام اميركا بأمنها والدفاع عنها في وجه أي «تهديدات ايرانية»! بل ربما تمّ التطرق الى تشكيل هذه القوة العربية، وخصوصاً هذه القوة في نهاية المطاف، لن تكون لمحاربة «اسرائيل» او تهديد المصالح الأميركية في المنطقة، فربما عندما تتشكل هذه القوة، تصبح بحاجة الى الكثير من السلاح الأميركي والغربي، وبما ينشط مصانع وكارتيلات الغرب، ويحقق عوائد اقتصادية ضخمة.
في مثل هذه الحالة تكون القوة العربية المشتركة، حالة مصطنعة، وغير قادرة على مواجهة الأخطار الخارجية، ولا حماية الأمن القومي العربي، ولا صدّ أي عدوان خارجي، ولا تحرير أوطان.
نحن امام حالة عربية منهارة بشكل غير مسبوق، حالة بوصلتها مفقودة، وغير موحدة الأهداف، أغلب جيوشها منهكة ومدمرة بفعل المشاريع الأميركية والغربية المستهدفة لها الجيوش العراقية والسورية والمصرية على اعتبار انّ تلك الدول تملك جيوشا وسلطة ومؤسسات، والرهان عليها في تشكيل قوة عربية مشتركة، تحمي أمن الأمة القومي وتدافع عن سيادتها، وتساهم في تحرير اوطانها، وباقي الدول العربية جيوشها هشة، ميليشيات وقوات لحماية الأنظمة والعروش مدارة من الخارج، من اجل تفكيك واعادة تركيب جغرافيتها، من أجل نهب خيراتها وثرواتها، وخلق كيانات اجتماعية هزيلة دول ومشايخ وامارات ، خاضعة ومرتبطة امنيا بـ»إسرائيل»، ومدارة اقتصادياً من قبل المركز الرأسمالي العالمي، وفاقدة لإرادتها وقرارها السياسي.
لا أتوقع انه في حالة الإحتراب والصراعات وحروب التدمير الذاتي، بأنّ قوة عربية مشتركة سيكون لها تأثير في مجرى الأحداث، أو انها ستسهم في وضع العرب على خريطة الأمم وتعطيها مكانتها الطبيعية، بحيث يحسب لها ألف حساب في قضايا المنطقة والإقليم والعالم.
هذا الخيار يصبح ممكناً فقط في حالة تحقيق نصر كبير على قوى التطرف والإرهاب، حينها يجري الحديث عن قوة عربية مشتركة بأهداف ومهام واضحة، قوة تعتبر أي عدوان على دولة عربية أو المسّ بأمنها القومي عدواناً على كل العرب، وكذلك يصبح الحديث عن تحرير الأوطان المحتلة والمغتصبة ممكناً.
Quds.45 gmail.com