«هولوكست» جديد… استيطان… وقمع للأسرى… وقوانين عنصرية
راسم عبيدات
فجر اليوم الجمعة، ارتكبت سوائب المستوطنين في مستوطنات نابلس جريمة جديدة تضاف لسجل جرائمها السابقة، تلك الجرائم التي تجد لها حواضن في المستويات السياسية والأمنية والقضائية «الإسرائيلية»، فمن بعد جريمة خطف وتعذيب وحرق الفتى الشهيد أبو خضير حياً في الثاني من تموز 2014، وعدم إنزال عقوبات رادعة بحق تلك السوائب من المستوطنين المرتكبة للجريمة والمحرضة عليها حتى اليوم، حيث يحاول الادعاء «الإسرائيلي» مع قضاة محكمة الاحتلال ومخابراته خلق حجج وذرائع واهية لتلك الجريمة، تارة بالقول إن اثنين من مرتكبيها قاصران والمتهم الرئيس مضطرب نفسياً من أجل إنقاذهم من العقوبة وإطلاق سراحهم، ولا أعتقد أن جريمة الحرق الجديدة «الهولوكست» بحق الطفل الرضيع علي دوابشه من بلدة دوما الذي استشهد بعد أن القى المستوطنون الحاقدون زجاجات حارقة على بيت عائلته، وأصيب بحروق بالغة الطفل وشقيقه أحمد.
وجرائم وممارسات الاحتلال ومستوطنيه القمعية بحق شعبنا الفلسطيني في ظل هذه الحكومة اليمينية الأكثر سفوراً وقباحة لوجه الاحتلال، تزداد تغولاً وتوحشاً، وهي ليست قصراً على هذه الجريمة البشعة والتي لا توازيها سوى جرائم «داعش»، وليصبح المستوطنون و«داعش» وجهين لعملة واحدة، حيث نشهد تصعيداً غير مسبوق ضد شعبنا الفلسطيني بشكل عام والقدس والمقدسيين بشكل خاص. فالاحتلال يستغل حالة الضعف والانقسام الفلسطيني والتي تفعل فعلها الخطير في الجسد الفلسطيني كفعل مرض السرطان، وكذلك الحالة العربية المشتبكة والمتصارعة دولها ومجتمعاتها في حروب مذهبية وطائفية قبلية، تنهك شعوبها وتدمير خيراتها وثرواتها ومؤسساتها وبناها الاقتصادية وتفتت جغرافيتها. وفي هذا السياق، وفي جوائز كبرى للمستوطنين أعلن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو أنه في مقابل المبنيين اللذين جرى هدمهما في مستوطنة بيت إيل والمقامين على أراض فلسطينية خاصة، تخص المواطن الفلسطيني عبد الرحمن قاسم من قرية دورا القرع، والتي تم سلبها منه بالتزوير وأساليب الغش والاحتيال، ستتم إقامة 300 وحدة استيطانية في بيت إيل، و 500 أخرى في مدينة القدس، منها 300 في «بسجات زئيف» و 90 في «رموت» و 70 في جيلو و 19 وحدة استيطانية أخرى في مستوطنة «هارهاحوما» جبل أبو غنيم، وليس هذا فقط فلكم أن تتصورا أن وزيرة ما يسمى بالعدل «الإسرائيلي» المتطرفة شكيد، حتى تسهل عمليات السيطرة والإستيلاء على الأراضي الفلسطينية، تريد أن تلغي دور «محكمة العدل العليا «الإسرائيلية» في البت بقضايا سرقة أرض الفلسطينيين وإحالة ذلك على لجنة خاصة تنظر في منازعات الملكية للأراضي الفلسطينية.
والهجمة «الإسرائيلية» بتكثيف الاستيطان في الضفة وتغوله في القدس ترافقها هجمات على محاور وصعد أخرى، حيث صعدت الجمعيات الاستيطانية والتلمودية والتوراتية من منظمات وجمعيات الهيكل المزعوم، من اقتحاماتها للمسجد الأقصى، لكي تصل ذروتها في يوم الأحد 26/7/2015، ذكرى ما يسمى بخراب الهيكل، بالدعوة لعملية اقتحام واسعة للمسجد الأقصى، على أن يجري إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين المسلمين بشكل كامل، للسماح لليهود والمستوطنين لتأدية طقوسهم وشعائرهم التلمودية في ساحاته، وهذا يعني التوجه لفرض الأمر الواقع في المسجد الأقصى بالتقسيم الزماني والمكاني.
وفي موازاة هذه الجبهة، شن الاحتلال وقوات قمع سجونه من «متسادا» و«درور» وغيرها وأجهزته الأمنية حرباً شاملة على الحركة الأسيرة الفلسطينية لكسر إرادتها وتحطيم معنويتها، وسحب منجزاتها ومكتسباتها والتطاول على حقوقها، ومحاولة فرض وخلق وقائع جديدة تحد وتقيد من حقوق الأسرى ومكتسباتهم وحريتهم بشكل أوسع، حيث أقدمت قبل أقل من أسبوع وحدات قمع السجون «الإسرائيلية» «متسادا» و«درور» على اقتحام قسم 10 فجراً في سجن نفحة، والذي يعيش فيه أسرى قطاع غزة، تحت حجج وذرائع العثور على أجهزة اتصال هواتف نقالة في جدران «الفورة» ساحة النزهة، حيث مارسوا قمعاً وتنكيلاً غير مسبوق بحق الأسرى، ما دفع بالأسرى كرد فعل على هذه الهجمة البربرية والعربدة، لحرق غرفة 85 في قسم 13 واتخاذ مجموعة من الخطوات الاحتجاجية كإرجاع وجبات الطعام ورفض الخروج لـ«الفورة» ورفض النقل من سجن نفحة إلى السجون الأخرى، وطالبوا بإعادة أسرى قسم عشرة الذين جرى نقلهم جميعاً لقسمي 1 +2 ، ولم تكتف إدارة مصلحة السجون «الإسرائيلية» واجهزة مخابراتها بذلك، بل صبيحة اليوم التالي أقدمت على اعتداء واسع بحق الأسرى، من بينهم الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، وكذلك أقدمت على نقل سبعين أسيراً من سجن «ريمون» الصحراوي إلى سجن «عوفر»، وعندما رفض العديد منهم أوامر النقل، تم الاعتداء عليهم بطريقة وحشية، ليجرى نقلهم بالقوة.
والشيء الخطير جداً على صعيد الحركة الأسيرة، هو إقرار «الكنيست الإسرائيلي» قانون «التغذية القسرية» للأسرى المضربين عن الطعام الذي تقدم به وزير الأمن الداخلي «الإسرائيلي» المتطرف غلعاد إردان، وبحسب هذا القانون فإنه يمكن للسلطات المحتلة إطعام أسرى مضربين عن الطعام بشكل قسري إذا «تعرضت حياتهم للخطر».
«التغذية القسرية» تعني إرغام الأسير المضرب عن الطعام على تناول الطعام والسوائل بالقوة، وذلك بعد أن يتم تكبيل يديه، وربطه بكرسي، أو يمسك به بالقوة سجانون، أو ممرضون إذا كان ذلك في المستشفى، ويتم تثبيت رأسه لمنعه من التحرك، ثم يقوم شخص آخر بإدخال أنبوب بلاستيك «بربيش» عن طريق الأنف حتى يصل إلى المعدة، ثم يضخ سائل لزج إلى المعدة لكسر إضرابه.
«التغذية» القسرية، تعذيب لا أخلاقي يمارس بحق الأسرى وقد تؤدي إلى الاستشهاد، مثلما حدث في سجن «نفحة» عام 1980، حيث استشهد ثلاثة أسرى بعد إرغامهم على تناول الطعام».
وهذا القانون يعتبر الوحيد في العالم، ولم يسبق أن تم العمل من قبل أي دولة في العالم، وهو مخالف لكل الأعراف والمواثيق الدولية، ومحرم اجتماعياً وإنسانياً وثقافياً وسياسياً وقانونياً وحدوده تتجاوز كل هذه الأبعاد، وهو يعبر عن أبشع أشكال الحقد والعنصرية التي تعتبر «إسرائيل» عنوانها الأبرز وصانعتها.
وهناك قوانين أخرى لمعاقبة الأسرى والتضيق عليهم والتنكيل بهم، كقانون منع الأسرى من مواصلة التعليم الجامعي، وقانون عنصري آخر يمنعهم من الاتصال بذويهم في حالات الوفاة أحد أفراد الأسرة.
وهذه القوانين العنصرية بحق الأسرى، سبقها إقرار قانون «قراقوشي» آخر، وهو فرض عقوبات تصل الى عشرين سنة على راشقي الحجارة على الشرطة ورجال الأمن «الإسرائيليين».
كل هذه الجرائم والقوانين العنصرية، بات من الملح والضروري، ليس مواصلة مسلسل الشجب والاستنكار والإدانة فقط، بل يجب العمل على جلب مرتكبيها من قادة الاحتلال وجنوده ومستوطنيه إلى المحاكم الدولية وبالذات محكمة الجنايات الدولية من أجل محاكمتهم ومعاقبتهم على تلك الجرائم، ووضع خطة واستراتيجية فلسطينية لمواجهة تلك الجرائم والقوانين العنصرية والتصدي لها، فلم تعد المفاوضات العبثية هي الطريق والخيار والنهج المجدي، أو الذي يعوّل عليه، بل تصليب الحلقة الفلسطينية وتوحيدها بعد إنهاء الانقسام، والعمل على إيجاد قيادة فلسطينية موحدة على مستوى التحدي تشق طريقها نحو خيار الصمود والمقاومة ومواصلة الكفاح والنضال بأشكاله وعناوينه كافة.
Quds.45 gmail.com