بكفلوني: الظروف أنضجت الحلّ السياسي للأزمة السورية والشعب صاحب القرار في تحديد مصير البلد
حاوره سعدالله الخليل
ما بين سورية والعراق، من الموصل إلى القريتين مروراً بتدمر، ثمة من يرفع راية القتل والتدمير للبشر والحجر، رافعاً سيف الحقد على أبناء الوطن. ما بين الحضارة والهمجية تاريخ وعهود فمن أصدر قراراً بهدم أوابد الموصل ونمرود في العراق، ها هو اليوم يهدم دير مار إليان في القريتين ومعبد بعل شمين، ولكي يثبت دمويته وحقده على كلّ ما هو أصيل، أبى تنظيم «داعش»الإرهابي إلا أن يترك بصمته على أجساد صانعي تاريخ وحاضر ومستقبل الإنسانية، فكان مشهد إعدام عالم الآثار خالد الأسعد الذي وثق وأظهر مآثر كنوز تدمر، مشهد يثبت أنّ سياسة التنظيم هي امتداد لممارسات الأب الروحي لكلّ التنظيمات الإرهابية القاعدية الهوى والهوية.
تدمير الآثار وممارسة التنظيمات الإرهابية في سورية والع راق وآخر التطورات السياسية، كانت محور الحوار المشترك بين صحيفة «البناء»وشبكة «توب نيوز»مع مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور جهاد بكفلوني.
حلقة مكرّرة
بعد تكرار تنظيم «داعش»الإرهابي ممارساته في حقّ الأوابد الأثرية في سورية من دير مار إليان إلى معبد بعل شمين إلى إعدام الدكتور خالد الاسعد، رأى الدكتور جهاد بكفلوني «أنّ هذه التنظيمات لم تعتد مقلتاها على استقبال شمس الضياء . وقال: «إنّ الاعتداء على مدينة تدمر التي تُعدّ أكبر متحف أثري في العالم دليل على أنّ الحرب على سورية هي حرب طرفي نقيض، فهناك من يريد أن تحلّ الظلمات على سورية متمثلة بالتنظيمات الإرهابية، والطرف الآخر تقف عليه الدولة السورية التي تريد توفير العيش الكريم لشعبها ومن الطبيعي في هذه الحرب أن يستعمل المعتدون السلاح الترهيبي ضدّ الدولة لإثبات وهم القدرة، وقد أثبت التاريخ أنّ للباطل جولة ولا ينتصر في نهايتها، وخصوصاً أنّ الدولة السورية في موقع حماية شعبها وحضارتها .
ولفت بكفلوني إلى «أنّ تنظيم داعش يحاول امتلاك مثلث يبدأ من الرقة مروراً بدير الزور وصولاً إلى تدمر الغنية بالثروات المعدنية والفوسفات والقريبة من حقل الشاعر للغاز، ونظراً إلى غنى تدمر بالآثار التي يمكن للتنظيم الارهابي أن يستفيد منها في تأمين موارد مالية .
وإذ أشار إلى «أنّ ما يجري في سورية من تدمير للأوابد يشبه ما جرى في أفغانستان ، أكد أنّ الإرهاب «وإن تمكن من الحجر فإنه لن يؤثر في البشر، فالنسيج السوري لن يتأثر بالدعوات التي ينشرها الإرهاب، والموزاييك السوري كان وما زال مثلاً لشعوب العالم كافة . وأضاف: «أنا شديد الإيمان بعودة الحالة السورية إلى طبيعتها. كانت القيمة الأثرية لمدينة تدمر التي حكمتها مملكة زنوبيا الأسطورية، ويستطيع الشعب السوري إعادة الرونق إليها .
وأكد بكفلوني «أنّ العالم انتبه إلى ما يجري في سورية بعد أن لعب الإعلام المضلل لعبته، وخير دليل على أنّ الغرب الداعم للإرهاب هو المتحكم بما يجرى على الأرض السورية، ما تشهده مدينة دمشق من قصف بالصواريخ على الأحياء الآمنة والذي أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء الأبرار الأبرياء . وقال: «الصورة أصبحت واضحة إلى أبعد الحدود، وما يجري من ربط بين العدو الإسرائيلي والتكفيريين، هو ما يجعل العدو يستهدف الإنسان بإنسانيته وموطنه وتاريخه الذي يتم استهدافه من قبل الإرهاب الذي يُدمر الحضارة بتدميره الآثار التي لا يمكن إعادتها .
وأشار إلى «أنّ إقدام التنظيم الإرهابي على عمليات الإعدام يأتي لإرضاء سيده الغربي في العواصم الغربية التي يأتمر بأمرها .
تراجع ثقافي
ورأى بكفلوني «أنّ هناك تراجعاً في دور المؤسسات الثقافية الفكرية خلال السنوات الماضية بالتزامن مع غياب الانتباه إلى الدعم القوي للفكر المناوئ للثقافة والحضارة والداعم للتيارات الدينية ما شّكل عاملاً آخر فاقم الأوضاع ، معتبراً «ما حدث في سورية مخطط قديم ضمره أعداء سورية لها منذ زمن لتنفيذه، فاستخدام الدين للقتل هو جريمة سيحاسب التاريخ فاعلها لأنّ الإسلام دين لا يُحلل القتل . وأضاف: «إنّ الغرف المغلقة التي شُكلت في عواصم القرار للتآمر على سورية هي من كشفت ما كان مخبأً لسورية والذي جرى الإعداد له إعلامياً وعملياً وتسليحياً .
موقف ثابت
بالانتقال إلى الشق السياسي، رأى بكفلوني «أنّ الموقف السوري لم يتغير منذ إعلان الرئيس بشار الأسد مشروعه الإصلاحي في أول موقف، فأدرك أصدقاء سورية حجم المؤامرة عليها وردت المقاومة التحية بأحسن منها، ومعها أدرك الشعب السوري أنّ ما يجري ليس فتنة داخلية بل مؤامرة خارجية تريد نسف البيت السوري أساساً، وإدراك الشعب كان كفيلاً بإفشال كلّ ما حيك فشلاً ذريعاً .
ولفت إلى «أنّ الشعب السوري هو صاحب القرار في تحديد مصير سورية وهو من أفشل المؤامرة بالوقوف مع الدولة السورية المتماسكة الأركان، بالإضافة إلى المبادرات المتكرّرة من الأصدقاء والمواقف الروسية، التي كانت وما زالت محطّ احترام السوريين والتي عبرت عن تلاحم روسي سوري في ميادين العلم والثقافة والتاريخ والمجتمع، كانعكاس لتلاحم الجسور الممدودة بين البلدين من حيث احتضانهم القيم الإنسانية، وقد بدأت الثمار الروسية تنضج في الحلّ السياسي مع ما ينجزه الجيش السوري من انتصارات في وجه أعداء الدولة والإنسانية . وأضاف: «أصبحت الفرص السياسية للحلّ ناضجة لقدرة الجيش على الإمساك بالوضع الميداني وجلاء الحقيقة للجميع، وما جرى في سورية ليس حراكاً بريئاً بل هو استهداف للدولة وليس للنظام السياسي وهو ما يُفسر استهداف البنى التحتية والمنشآت التي تدعمها الدولة من مشاف وجامعات ومراكز خدمية وصناعية كقطاعات أسهمت في نمو الاقتصاد السوري، وهو ما يعزز فرص الحلّ السياسي للأزمة السورية والتي كان عامل الزمن مواتياً رغم ما دفعته سورية من ثمن باهظ ومؤلم من دماء أبنائها وعمرانها .
وتابع بكفلوني: «الوفود الغربية التي تتقاطر إلى سورية تؤكد ضبابية المشهد الغربي حيال سورية وأملك بعض المعلومات بأنّ الكثير من الدول الغربية تنوي العودة إلى سورية لفتح سفاراتها بعد أن كانت تُعلن سابقاً أنها على قطيعة مع سورية، فالموقف الفرنسي تجاه سورية ما زال ضبابياً وقد ترجمنا كتاب المحنة السورية للمستشرق الفرنسي فريدريك بيشون الذي جلى الكثير من الحقائق ومنها انجرار ديبلوماسيين فرنسيين لأهواء سفير قطر في باريس الذي يغدق عليهم العطايا والأموال بلا حساب للتصريح وفق رغباته، لكنّ المواقف الغربية وبعض العربية بدأت تسترد رشدها، ونحن نلحظ تغيراً في الموقف الإيطالي .
وثمن»بكفلوني موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية المشرف إلى جانب الدولة السورية، وقد أكدت حقها القوي في امتلاكها برنامج طاقة نووية سلمية اعترف به الغرب علناً.
لا ربيع لبنانياً
وتعليقاً على ما يجري في لبنان من احتجاجات شعبية، استبعد بكفلوني «أنّ تكون انطلاقة لربيع لبناني فشل في بلدان عدة وتحول إلى خريف قتل ودمار . وقال: «الغرب ينظر إلى لبنان على أنه الخاصرة الرخوة لسورية وعندما يجد الفرصة مناسبة للعبث في الداخل اللبناني لن يتأخر، وخصوصاً عندما يدرك عودة الزبداني إلى حضن الوطن، فيحاول إشعال بعض أعواد الثقاب في لبنان . وفي المقابل، رأى «أنّ الشعب اللبناني لن يُعيد أيام الحرب الأهلية التي احترق بنارها سابقاً ولا وارد لتكرار التجربة .
وختم: «لبنان قادر على تجاوز الحالة الطائفية التي أوجدها المستعمر الفرنسي، والشعب اللبناني يريد العيش في وحدة وطنية فالأرض التي تجمعه فيها ما يستحق الحياة عليها، وفي فترة من الفترات اعتقد اللبنانيون أنّ وجود الجيش السوري يعني أنّ سورية تريد ابتلاع لبنان، ولكن مع خروج الجيش السوري أدركوا أنّ القوات السورية كانت الحامية للبنان والضامن لاستقراره، ويدرك اللبنانيون تطويق أعواد الثقاب التي ترمى في الساحة لإدراكهم أنّ الحريق إن اشتعل لن يبقي ولن يذر .
يُبثّ هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة عصراً ويعاد بثُّه عند الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» على التردّد 12034