«حراك الساحات» للتصعيد غداً بعد حشد السبت ونهاية المهلة بري يطلق «هيئة حوار» تضع يدها على الملفات الساخنة

كتب المحرر السياسي :

على إيقاع الحضور الذي فرضه حراك الساحات يوم السبت، بحشود شعبية وازنة سيتحرك الواقع السياسي اللبناني، بين ضفتي ما سيجري في الساحات مجدداً وما سيجري على الضفة السياسية في المقابل. فالأسبوع المقبل سيكون من الغد على موعد مع تطورين يتسابقان في رسم معادلة البلد السياسية والأمنية، الأولى هي دعوة القيمين على الحراك إلى استقالة وزير البيئة محمد المشنوق وإعلان نتائج التحقيق في التعرّض للمتظاهرين قبل أسبوع وإطلاق النار عليهم ومحاسبة المسؤولين وفي مقدمهم وزير الداخلية، ومنح الحكومة مهلة تنتهي مساء غد، تحت طائلة العودة إلى التصعيد الذي بات حتمياً مع إعلان المعنيين الحكوميين لا واقعية الطلبات وعدم الاستجابة لها، من دون أن تتضح طبيعة الخطوات التصعيدية المنتظرة، وبالتالي ما يمكن أن تذهب إليه البلاد من سيناريو مع هذا التصعيد والمواجهة المفتوحة التي يتحدث عنها قادة الحراك. وفي المقابل المسار الذي أعلن عن البدء بخطواته الأولى رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالدعوة إلى هيئة حوار تضمّ رؤساء الكتل النيابية ورئيس الحكومة تضع يدها على الملفات الساخنة من تفعيل العمل المجلسي والحكومة والبحث في خيارات انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقانون الانتخاب وقانون للجنسية ودعم الجيش، وما ظهر من ردود الفعل السريعة من الأطراف المعنية التي التقت جميعها على الترحيب بالدعوة والاستعداد لتلبيتها، ما يعني أنّ الأسبوع المقبل سيكون موعد الجلسة الأولى للهيئة، التي سيترقب اللبنانيون أعمالها وما سينتج منها في مواكبة الاستحقاقات والتحديات.

بين المسارين ستكون علاقة تأثر وتأثير، والواضح أنّ مشروع المبادرة الذي لم يولد تحت ضغط الحراك، إلا أنه تسارع بفعله، فقد سبق لرئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أن دعا الرئيس بري لمبادرة حوارية إنقاذية قبل شهر من بدء الحراك، وكان واضحاً بعد لقاء بري مع حردان أنّ الفكرة الموجودة أصلاً لدى بري لكنها تزخمت بالدعوة، وأن التشاور حولها قد انطلق جدياً، وقد علق حردان لـ«البناء» على دعوة بري باعتبارها «الخطوة الأهمّ في المسار الصحيح لإخراج البلاد من النفق المظلم الذي كان لبنان يقبع فيه قبلها»، قائلاً: «إنّ التوجه بالدعوة نحو الرئيس بري كان في الأساس انطلاقاً من كونه القامة الوطنية التي تملك الحكمة وروح المسؤولية والمكانة التي تؤهّلها لحمل أعباء خطوة إنقاذية بهذا الحجم وضمان السير بها نحو إنتاج حلول بناءة وواقعية».

بري يطلق مبادرة للحوار

في ظل الجمود السياسي الذي يلف المؤسسات الرئيسية في البلاد وبعد فشل الاتصالات والمساعي لحلحلة الأزمة الحكومية حتى الآن وغيرها من الملفات العالقة، ووسط التصعيد الشعبي في الشارع، وكما كان متوقعاً أطلق رئيس المجلس النيابي نبيه بري مبادرة للحوار لـ«إنقاذ الوطن» وسرعان ما لاقت ردوداً إيجابية ومؤيدة من بعض القوى السياسية.

وخلال المهرجان الخطابي الذي أقامته حركة أمل في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه في النبطية، دعا الرئيس بري إلى الحوار في أوائل أيلول يختصر بالإضافة إلى رئيس الحكومة، قادة الكتل النيابية. وقال بري: «سأدعو في الأول من أيلول إلى حوار يقتصر هذه المرة بالإضافة إلى رئيس الحكومة، على قادة الكتل النيابية ولا يختلف كثيراً من حيث الشكل عن حوار عام 2006 ولكنه مختلف المضمون والجدول»، مؤكداً أن «الجدول سيكون حصراً البحث في رئاسة الجمهورية وعمل مجلسي النواب والوزراء وماهية قانوني الانتخابات واستعادة الجنسية ومشروع اللامركزية الإدارية ودعم الجيش والقوى الأمنية».

وتطرق بري في كلمته إلى الشأن السوري، وأشار إلى أن «سورية تدفع ثمن كل إرهاب العالم والمطلوب قبل كل شيء جعل هزيمة الإرهاب هي الأولوية الأولى، وعندئذ الإسراع لحلٍ سياسي، أما مقارنة النظام السوري بالإرهاب فهذا سخيف وخطير ويعني تقسيم سورية»، وحذر من أن «سورية الأسد تدفع الأثمان عبر مؤامرة مستمرة، لأنها تشكل واسطة العقد لمحور المقاومة، وبالتالي المطلوب غرفة عمليات موحدة وتجفيف مصادر الإرهاب».

الحريري أول المؤيدين

وفي أول تعليق على مبادرة بري، أعلن الرئيس سعد الحريري في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي «أننا نلتقي مع الرئيس نبيه بري في الدعوة إلى حوار يناقش البنود التي أوردها في خطابه». ولفت إلى «أننا بالتأكيد سننظر بإيجابية لهذا الموضوع عندما نتلقى الدعوة».

وأكد عضو كتلة المستقبل عمار حوري لـ«البناء» أن «لا تيار المستقبل ولا غيره يعارض فكرة ومبدأ الحوار بين اللبنانيين»، مشيراً إلى أن تيار المستقبل مستعد لتلقف مبادرة بري لكن تحتاج إلى النقاش في التفاصيل والنقطة الأساسية هي أن لا يكون الحوار بديلاً عن مجلسي الوزراء والنواب أو تعطيل عمل الحكومة.

والكتائب يتلقف

وأكد وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» أن «كل شيء يطرحه الرئيس بري يحمل في طياته الخير للبنان، فكيف إذا كان ما يحمله اليوم هو دعوة للحوار في هذه المرحلة المليئة بالأزمات والعلاقات المقطوعة بين الأفرقاء»؟ مؤكداً أن المكتب السياسي لحزب الكتائب سينعقد ويبحث هذه المبادرة وسيقرر المشاركة فيها من عدمه.

واستبعد قزي أن تكون طاولة الحوار الجديدة بديلاً عن مجلس الوزراء، فـ»السلطة التشريعية منفصلة عن السلطة التنفيذية، والحكومة تواصل عملها والمجلس النيابي يطلق المبادرات، وإذا توقف مجلس الوزراء عن الانعقاد لأسبوع فلا يعني ذلك أنه توقف عن العمل».

وأكد قزي أن «مبادرة بري لا تتعارض مع عمل مجلس الوزراء ولا نية لبري بذلك أصلاً والدليل أنه ضمن جدول أعمال مبادرته تفعيل الحكومة ومجلس النواب وأكد على ضرورة المحافظة على الحكومة وعدم تعطيلها».

وأيد قزي حق التظاهر لجميع المواطنين بشرط أن لا يعطل التحرك عمل الدولة، متحدثاً عن اتصالات جارية بين الأطراف المعنية للحلحلة على الصعيد الحكومي. وذكر قزي بأن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل هو أول من طرح فكرة الحوار بين اللبنانيين في خطابه الأخير.

مبادرة بري تسهل الدورة الاستثنائية

وأوضحت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن التيار داعم للحوار ولهذه المبادرة، لأنه يريد الحلول للمشاكل التي تؤدي بالبلد إلى التمزق والانقسام. وأكدت المصادر أن «التيار سيتلقف هذه الدعوة، لكن يريد معرفة مكان ومضمون الحوار وإذا كان قانونا الانتخاب واستعادة الجنسية موجودين فعلياً في جدول الأعمال ما يسهل بالتالي فتح دورة استثنائية لمجلس النواب».

وشددت المصادر من جهة أخرى على أن «التيار مستمر في التظاهر الجمعة المقبل في ساحة الشهداء وأن التحضير مستمر على المستوى اللوجستي في كل الأقضية وبمشاركة كافة الكوادر».

وأضافت المصادر: «العلاقة بين عون والنائب وليد جنبلاط أفضل بكثير من السابق وزيارة الوزير أبو فاعور إلى الرابية إيجابية وأكدت استمرار التواصل والتشاور للوصول إلى حلول للأزمة الحكومية، وكان هناك اتفاق على أن لبنان بلد التفاهمات ولا يحمل استبعاد أي مكون، ولفتت المصادر إلى أن القواعد العونية والاشتراكية على تنسيق وتلاقٍ دائم في أمكنة متعددة».

وأعلنت المصادر أن وزراء التيار وحزب الله والمرده والطاشناق مستمرون بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء حتى معرفة ما هو جدول أعمال الجلسة.

لا جلسة حكومية هذا الأسبوع

لا يزال الخلاف السياسي يحول دون انعقاد مجلس الوزراء منذ الجلسة الأخيرة التي قاطعها وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر والطاشناق والمرده، فرئيس الحكومة تمام سلام لن يدعو إلى جلسة حكومية هذا الأسبوع بانتظار المساعي لإقناع الوزراء المقاطعين العودة إلى حضور الجلسات.

وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» أن لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، لأن لا جدوى من عقد الجلسات في ظل غياب حوالي ثلث مجلس الوزراء، خصوصاً قوى أساسية في الحكومة. وأشار إلى أن الرئيس تمام سلام لن يتسرع بالدعوة إلى جلسة، بل الآن يتريث بانتظار تبلور المفاوضات الجارية والمساعي الحميدة وآخرها التي يقوم بها جنبلاط الذي أوفد الوزير وائل أبو فاعور إلى الرابية.

وأعرب درباس عن اعتقاده بأن هناك أطرافاً تريد تجميد عجلة الدولة في هذه المرحلة فيما بعض القوى السياسية الأخرى تدرك خطورة هذا الأمر لكنها مقيدة باعتبارات وتحالفات معينة.

وتساءل درباس: كيف أن القيمين على التحركات الشعبية يمهلون الحكومة 72 ساعة لحل كل المشاكل دفعة واحدة من انتخاب رئيس للجمهورية وإقالة وزير البيئة وحل أزمة النفايات وإقرار قانون انتخابات؟ داعياً هؤلاء إلى أن يستلموا السلطة وينجزوا كل تلك الملفات في هذا الوقت.

تظاهرة حاشدة في ساحة الشهداء

ولا يزال الحراك الشعبي في الشارع يطغى على المشهد الداخلي في ظل جمود الحركة السياسية، حيث شهدت ساحة الشهداء وسط بيروت السبت الماضي تظاهرة حاشدة نظمتها جمعيات المجتمع المدني، انطلقت من محيط وزارة الداخلية باتجاه ساحة الشهداء ورفعت عدداً من المطالب أبرزها استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، ومحاسبة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وإيجاد حل بيئي وصحي للنفايات.

وحافظت التظاهرة على سلميتها بعكس ما حصل في تظاهرة السبت الماضي، لكن خرقتها بعض أعمال الشغب، بعد أن عمد عدد من الشبان إلى رشق زجاجات مياه فارغة وحجارة باتجاه القوى الأمنية المنتشرة قرب السراي الحكومية، وإشعال نار قرب الأسلاك الشائكة ثم محاولة زحزحة هذه الأسلاك حتى وصلوا قرب المكعبات الإسمنتية، من دون أي رد فعل من القوى الأمنية. وناشدت قوى الأمن الداخلي، عبر حسابها على «تويتر»، «المواطنين السلميين، مغادرة الساحة رياض الصلح بعد تمكن المشاغبين من تخريب الحاجز الشائك الثاني، كما أعلنت عن رمي مفرقعات نارية باتجاه عناصرها، ثم تمكن عناصر شرطة مكافحة الشغب، من إخلاء الساحة من المشاغبين وأوقفت 10 أشخاص كما أصيب عنصران لقوى الأمن بجروح طفيفة.

إمهال الحكومة 72 ساعة

وأمهلت حملة «طلعت ريحتكم»، الحكومة 72 ساعة وهددت بالتصعيد يوم الثلاثاء المقبل في حال عدم توجه الحكومة إلى التجاوب مع مطالب المتظاهرين.

شعارات الحراك ليست واقعية

وقالت مصادر وزارية لـ«البناء» إن شعارات الحراك الشعبي ليست واقعية بل هي شعارات ثورية ومعظم المتظاهرين نزلوا إلى الشارع للمطالبة بالقضايا الحياتية وهذه ستتجاوب معها الحكومة بكل تأكيد، فيما يحاول الآخرون طرح قضايا سياسية لا يحتملها الوضع الداخلي، فالحكومة ليست المرجع الصالح لانتخاب رئيس جمهورية ولا تستطيع تأمين مطمر أو مطامر لجميع نفايات لبنان إذا لم تؤيد ذلك كل القوى السياسية».

ولفتت المصادر إلى أن الحكومة منذ تشكيلها لم تستعد لحل كل أزمات البلد، بل هي جاءت لتمرير مرحلة انتقالية في ظل الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية لكن انتهت صلاحيتها ولا تستطيع حل المشاكل إلا بتعاون جميع القوى السياسية.

مطالب المتظاهرين تحتاج إلى نقاش

وأكدت مصادر المستقبل لـ«البناء» أن الحراك الشعبي حق لكل اللبنانيين ولا يجوز التشكيك به، لكنه يفتقر إلى عناوين موحدة على رغم العناوين الأربعة التي طرحت في نهاية التظاهرة الأخيرة، وتيار المستقبل لا يختلف معهم بل يحتاج الأمر إلى نقاش التفاصيل، لا سيما موضوع الانتقال إلى الدولة المدنية الذي يمكن أن يشكل حلاً لأزمات لبنان وكما يحتاج إلى قوانين في مجلس النواب وإلى تنفيذ اتفاق الطائف، كما أن انتخاب رئيس للجمهورية هو بوابة لكل الحلول، لكن هذه المواضيع لا يمكن حلها بـ 72 ساعة.

وأشارت المصادر إلى أن الحراك لم يطرح استقالة الحكومة، لأن هذا المطلب غير واقعي، لأنه إذا قررت الحكومة الاستقالة، لمن تقدم استقالتها؟ وحتى لو استقالت فهي ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال ويحتاج الأمر انتخاب رئيس جمهورية جديد لتشكيل حكومة جديدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى