«إسرائيل» تمضي قدُماً في وضع اليد على الأقصى… كيف ننقذه؟
العميد د. أمين محمد حطيط
مع انطلاقة شرارة الحريق العربي منذ نيّف وأربع سنوات، وتزامناً مع بدء السنة العبرية دأب المستعمرون الصهاينة على القيام بممارسات في المسجد الأقصى من شأنها خلق واقع جديد يمكن اليهود من تنفيذ مشروعهم التوراتي-التلمودي المزعوم الذي يدعي أصحابه بأن جزءاً من المسجد الأقصى قائم على جزء من هيكل سليمان وأن إعادة بناء الهيكل تستوجب هدم جزء من الأقصى في شكل حتمي. وبما أن الهدم يستوجب وضع اليد بزعمهم فإن الأمر يتطلب خلق أمر واقع يتيح لهم ذلك، الأمر الذي يوجب السير بخطوات متدرجة كالتالي:
1 ـ الخطوة الأولى: الدخول المتكرر من قبل اليهود إلى المسجد لنزع الصفة الإسلامية الحصرية عن المسجد، وإرساء واقع يألفه العموم بأن المسجد مكان مفتوح لليهود كما للمسلمين، في شكل يخرج إلى الوجود فكرة وجود جزء من الهيكل تحت المسجد الأقصى.
2 ـ الخطوة الثانية: إجراء الحفريات والتنقيب عن الجزء المزعوم من الهيكل، في عمل يرمي إلى أمرين الأول البحث عن دليل يسند الزعم اليهودي، والثاني التسبب بالتصدع المؤدي إلى انهيار في المسجد الأقصى خصوصاً في الجزء الذي يزعمون وجود الهيكل فيه.
3 ـ الخطوة الثالثة: إفساح المجال لليهود بالقيام بصلوات وطقوس داخل المسجد الأقصى من شأنها تكريس «الملكية اليهودية الدينية» لجزء من المسجد يمكن العدو من اتخاذ قرارات تتناسب مع ذلك. بما فيها منع المسلمين من الدخول إلى الجزء اليهودي المزعوم داخل الأقصى.
4 ـ الخطوة الرابعة إجراء تقسيم مكاني وزماني لمنطقة الأقصى بين المسلمين واليهود، تقسيم يعطي اليهود الحق بالوجود الدائم في مساحة تصل إلى 35 في المئة من مساحة المنطقة وحقهم بالدخول إلى المساحة الباقية 3 أيام بالأسبوع من دون أن يكون للمسلمين حق بمنعهم في ذلك، أما المسلمون فيكون لهم الحق بالدخول إلى 65 في المئة من المسجد الأقصى خمسة أيام في الأسبوع من دون أن يكون لهم الحق في الدخول إلى المنطقة اليهودية المزعومة منه.
5 ـ أما الخطوة الأخيرة والمتقدمة فتكون ببدء عملية الهدم المتدرج بدءاً من المنطقة التي تعطى لليهود، ثم التوسع إلى المنطقة المتبقية مع تضييق في المساحة الزمنية التي يسمح فيها للمسلمين الدخول إلى الأقصى.
إنّ الهدف الرئيسي من الإجراءات «الإسرائيلية» المتصلة بالأقصى هو اقتلاع أهم أثر ومعلم إسلامي في مدينة القدس، اقتلاع يمكن «إسرائيل» بحسب زعمها من السير الآمن قدماً في إجراءات تهويد القدس وتزخيم عملية إفراغها من سكانها العرب المسلمين بعد أن نجحت في إفراغها من العرب المسيحيين إلى حد بعيد. فالمسألة بظن «إسرائيل» – أي مسألة وضع اليد على الأقصى وهدمه – تعتبر أساسية في عملية التهويد الذي تراه شرطاً لا بد من تحققه حتى تتحقق يهودية الدولة وعاصمتها القدس الموحدة تحت الراية الصهيونية.
أما في المسار التنفيذي، فمن يراجع الخطط «الإسرائيلية» يجد أن «إسرائيل» استكملت القيام بالخطوات الثلاث الأولى وهي الآن بصدد إنجاز الخطوة الرابعة أي إجراء التقسيم المكاني والزماني، وهي الخطوة ما قبل الأخيرة للتنفيذ النهائي للمشروع الصهيوني المتصل بالأقصى.
لقد قامت «إسرائيل» بكل ذلك مستفيدة من انشغال العرب والمسلمين بالحريق الذي أضرم في بلدانهم من أفريقيا إلى آسيا وأحدث دخاناً أعمى البصيرة والأبصار عند معظم حكام العرب والشعوب، وأطلق ألسنة لهب التهمت الحجر والبشر والتاريخ والآثار في شكل خاص في العراق وسورية البلدين اللذين كانت «إسرائيل» تحسب ألف حساب لجيشيهما، حريق دفع المقاومة التي هزمت «إسرائيل» في لبنان للتوجه إلى سورية لملاقاة الخطر الإرهابي القادم إليها ولأن تخوض ضده معركة دفاعية قاسية شغلت جزءاً من قدراتها في قتال مع قوى تعمل نيابة عن العدو الصهيوني.
والآن ومع اقتراب تحقق الخطر التام ووصول «إسرائيل» إلى تنفيذ مخططها بهدم الأقصى يطرح التحدي الكبير على العرب والمسلمين حكاماً وشعوباً تحدياً لإنقاذ الأقصى، فقضية الأقصى ليست قضية مقدسية، وليست فلسطينية وليست عربية حصراً بل إنها كل ذلك ويضاف إليها بأنها قضية المسلمين جميعاً وقضية دولية وإنسانية لما لها من اتصال بحقوق الإنسان والحرية. ولهذا فإن الجميع مسؤولون عن الأقصى كل بحسب موقعه وقدراته.
في العام 1969 وقع التمهيد للمخطط الصهيوني حول الأقصى عبر جس نبض العرب والمسلمين، فكان حريق الأقصى بيد صهيوني زعم أنه مختل عقلياً حتى يفلت من المحاسبة، واجتمع العرب والمسلمون وأنشأوا لجنة القدس، ولم تفعل تلك اللجنة حتى الآن شيئاً يعرقل الخطة الصهيونية. نقول هذا حتى نوضح أن الاتكال على الأنظمة والحكام في مسألة إنقاذ الأقصى يكون تضييعاً للأقصى، ولهذا فإننا نقترح عملاً مركباً يشارك فيه الجميع لإنقاذ الأقصى ضمن الخطوات التالية.
1 ـ تفعيل المرابطة في الأقصى على مدار الساعة وتولي العرب والمسلمين مسؤولية الإعالة والإغاثة للمرابطين المعتكفين فيه فهؤلاء المرابطون هم الحراس المباشرون للأقصى.
2 ـ تفعيل عمل لجان القدس القائمة، خصوصاً صندوق دعم القدس على أن يلتزم كل عربي ومسلم بدفع مبلغ شهري لهذا الصندوق حتى ولو كان دولاراً واحداً شهرياً.
3 ـ اتخاذ قرار جريء من السلطة الفلسطينية في رام الله بوقف التنسيق الأمني فوراً.
4 ـ إجراء المصالحة الفلسطينية الحقيقية بما يمكن فصائل المقاومة من الخروج من التزاماتها خارج فلسطين ويمكنها من إعادة إطلاق المقاومة في الضفة الغربية وفلسطين المحتلة 1948.
5 ـ قيام الأردن بواجباته حيال الأقصى بوصفه سلطة وصاية حتى الآن كما هو مكرس دولياً، وقطع علاقاته مع «إسرائيل» كما والتوقف عن التنسيق الأمني على جانبي الحدود.
6 ـ اعتصام شعبي يومي دائم أو ساعة في النهار على الأقل أمام السفارات «الإسرائيلية» ومراكز الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية في كل عواصم العالم الإسلامي والعربي حتى وخارجهما إن أمكن للمطالبة بوقف خطة هدم الأقصى.
7 ـ خروج المسلمين كل يوم جمعة بعد الصلاة بتظاهرة دعم للأقصى وطلباً لوقف خطة هدمه.
8 ـ إثارة موضوع الأقصى في الأمم المتحدة ومجلس الأمن على رغم محدودية الأثر.
9 ـ تنظيم أوسع حملة إعلامية تشارك فيها كل محطات الإعلام نصرة للأقصى.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية