عون يدقّ باب القصر بالحشود البرتقالية وينتظر مساعي ربع الساعة الأخير
محمد حمية
احتشد العونيون أول من أمس أمام القصر الجمهوري في بعبدا وأحاطوه من كل جانب أما المناسبة، فهي ذكرى 13 تشرين الأول العام 1990 يوم أُخرج العماد ميشال عون بالقوة العسكرية من قصر بعبدا ليتم نفيه إلى فرنسا ويعود إلى لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005.
«التغيير آتٍ ويليه الإصلاح»، هكذا وعد العماد عون جماهير التيار الوطني الحر الذين جاؤوا من المناطق اللبنانية كافة وجددوا الولاء واستعادوا الأمجاد، لكن المراقبين لم يجدوا في خطاب عون تصعيداً أو موقفاً منتظراً حاسماً.
فهل أعطى عون مهلة أخيرة للحكومة؟ وكيف ستُترجَم خطوات التيار بعد تظاهرة بعبدا، بين الشارع ومجلس الوزراء؟ وهل فضل عون المناورة على المغامرة؟
بعد إجهاض تيار المستقبل واللقاء التشاوري تسوية الترقيات العسكرية ومع اقتراب موعد إحالة قائد فوج المغاوير في الجيش العميد شامل روكز إلى التقاعد، ظهرت مؤشرات على أن عون سيتجه إلى التصعيد خلال خطابه في ذكرى 13 تشرين وأنه سيُطلق مواقف عالية السقف وسيسمّي الامور بأسمائها، وما انسحابه من الجلسة الصباحية من الجولة الرابعة للحوار الوطني وإحجامه عن حضور الجلسات الأخرى، إلا دليل على علامات امتعاض التيار العوني وبأن كل الحلول قد وصلت إلى طريق مسدود.
يبدو أن العماد عون اختار لغة الإشارة بدلاً من العبارة والتلميح بدلاً من التصريح والمواقف المموّهة بدلاً من الغوص في التفاصيل، فعون لم يحدد في خطابه موقف تياره من الحكومة ولا من المشاركة في طاولة الحوار ولا من المجلس النيابي ولا من خطة التحرك المستقبلية، بل شكل الملف الرئاسي محور خطابه، وحسم أحقيته بالوصول إلى رئاسة الجمهورية بالحشود الغفيرة التي اقترعت بأقدامها لزعيمها الذي ثبت شرعيته المسيحية التي لا تستطيع كل التحولات الإقليمية والدولية أن تتجاهلها.
طمأن عون «الجميع» بلهجة تلامس التهديد، بأن «التلاعب بالقوانين لن يمرّ مرور الكرام وسيدفعون ثمنه والتلاعب بالاستحقاقات سيضعهم بموقع الاتهام ويفضح عمالتهم للخارج»، لافتاً إلى أن «أولئك الذين يقاتلون بسيف غيرهم، نطمئنهم أن هذا السيف قرُب أن ينكسر».
وبشّر البرتقاليين واستطراداً اللبنانيين، بأن هناك مرحلة جديدة من النضال بدأت وستكون نتيجتها التغيير ثم الإصلاح. التغيير من خلال انتخابات على أساس النسبية وإسقاط عناصر الفساد، وبعدها يأتي دورنا نحن بفرض الإصلاح».
وفي تلويح واضح بأن ورقة الشارع ستبقى سارية المفعول قال عون «لا شيء يمنع من وقت لوقت أن نتنزّه نحنا وإياكن في شوارع بيروت».
تؤكد مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أننا خسرنا في 13 تشرين معركة لكننا حافظنا على القضية، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعودة العماد عون إلى لبنان اعتبرنا أنها فرصة حقيقية لتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال وكانت تظاهرة 14 آذار، لكن للأسف لبنان لم يتحرّر، بل انتقلنا من تركيبة الحكم السعودية السورية إلى هيمنة الأحادية السعودية الأميركية بعد خروج الجيش السوري من لبنان. والآن نشهد عملية الكيد السياسي وانتهاك الحقوق المسيحية وضرب الشراكة الوطنية من قبل شركائنا في الوطن، لذلك لا خيار لنا إلا مواصلة العملية النضالية والخلاص سيكون قريباً.
وتضيف المصادر أن عون ينتظر جهود بعض الأطراف لمحاولة إنجاح تسوية الترقيات من خلال صيغة قانونية معينة تشكل مخرجاً يوافق عليه وزير الدفاع سمير مقبل، وذلك في الوقت المتبقي قبل إحالة العميد روكز إلى التقاعد في الخامس عشر من الشهر الجاري. كما أشارت المصادر إلى أن عون لم يشأ كشف جميع أوراقه دفعة واحدة، كما لم يعتمد أسلوب القصف السياسي المباشر على أخصامه لا سيما تيار المستقبل الذي كان إيجابياً تجاه عون في جلسة الحوار الأخيرة بين المستقبل وحزب الله في عين التينة، كما رفض عون أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الرئيس ميشال سليمان كي لا يصوّر البعض أن سليمان يشكل حالة ذات حيثية مسيحية وكي لا يظهر أن الصراع هو على الساحة المسيحية.
بعد أن دقّ جنرال الرابية باب قصر بعبدا وحسم مصير رئاسة الجمهورية على قاعدة: إما رئيس ينبثق من الشعب أو لا رئاسة، يبدو أن عون ترك الباب مشرعاً أمام سعاة الخير والوسطاء لإخراج تسوية ربع الساعة الأخير إلى النور، إن على صعيد الحكومة أم على صعيد الترقيات العسكرية، ولم يختَرْ المغامرة، فدقة الوضع الإقليمي وانشغال حلفائه في الحرب على الإرهاب وحساسية الوضع الداخلي، عوامل تمنعه من الذهاب باتجاه التصعيد وكسر الجرّة وإحراق كل المراكب مع الطرف الآخر.
اقترب الجنرال وجماهير التيار أمس، من أبواب القصر الجمهوري، لكن المسافة المتبقية الفاصلة تبدو هي الأصعب والأطول، لكن ما بات محسوماً هو أن نتائج 13 تشرين 1990 ولّت إلى غير رجعة وأن مرحلة جديدة سينتظرها التيار، كما كل اللبنانيين.