«الأمن الوطني» عباءة تستّر وراءها الحكومة الأميركية كل جرائمها ضد الانسانية
بول كريغ روبرتس
المواطنون الأميركيون لا يدركون تماماً لماذا دمّرت حكومتهم العراق، «الأمن الوطني» سيمنعهم من معرفة ذلك.»الأمن الوطني»هوالعباءة التي تستّر وراءها حكومة الولايات المتحدة كل جرائمها ضد الإنسانية.
جورج هربرت ووكر بوش، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية – أصبح رئيساً من باب المجاملة ونائباً للرئيس رونالد ريغان، وهو آخر رئيس محافظ للولايات المتحدة الأميركية – توجّه إلى العراق بعملية عسكرية محدودة، لطرد صدام حسين من الكويت.
كانت الكويت جزءاً لا يتجزأ من العراق، ولكن لاحقاً كمنطقة نفطية مستقلة، مع وجود القوة الاستعمارية الغربية التي خلقت حدوداً سياسية جديدة، كما فعل الحزب الشيوعي السوفياتي في أوكرانيا، وبعد انفصالها برزت الكويت «كمنطقة نفطية مستقلة».
ووفقاً للتقارير فالكويت كانت تحفر على الحدود العراقية – الكويتية في حقول النفط العراقية. في 25 تموز 1990، تقدم صدام حسين مع القوات العراقية على الحدود مع الكويت، وسأل حينها السفيرة الأميركية في العراق «إبريل غلاسبي» إذا ما كان لإدارة بوش موقف حيال ذلك.
وهنا ردّت غلاسبي:
«ليس لدينا موقف حول النزاعات العربية – العربية، كالنزاع مع الكويت. فقد وجّهني وزير الخارجية ـ جيمس بايكر ـ للتأكيد للعراق على أن قضية الكويت غير مرتبطة بأميركا منذ الستينات».
وفقاً لهذا النص، فقد أكد مسؤولون في الحكومة الأميركية لصدام حسين أن واشنطن لا تقف في طريقه لتوحيد العراق ووضع حد»للعصابات» التي تسرق النفط العراقي.
«وفي مؤتمر صحافي في واشنطن في اليوم التالي، سُئلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مارغريت توتيلر من قبل الصحافيين:
هل أرسلت الولايات المتحدة أي رسالة دبلوماسية للعراقيين حول وضع 30000 جندي الموجودين على الحدود الكويتية؟ هل كان هناك أي احتجاج تبلغت فيه حكومة الولايات المتحدة؟».
فأجاب: «أنا لست على علم بأي احتجاج من هذا القبيل».
«في 31 تموز، قبل يومين من الغزو العراقي للكويت، جون كيلي، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، قال أمام الكونغرس إن «الولايات المتحدة ليس لديها التزام بالدفاع عن الكويت، والولايات المتحدة لن تدافع عن الكويت إذا تعرضت لهجوم من قبل العراق».
هل كان هذا عملاً مقصوداً لتوريط صدام حسين، أو أن استيلاء العراق على الكويت أنتج نداءات استغاثة من الشرق الأوسط إلى عائلة بوش؟
مهما كانت الأهداف التي أدت إلى تغيّر موقف حكومة الولايات المتحدة بشكل دراماتيكي، النتيجة كانت حملة عسكرية على العراق نفسه.
من العام 1990 حتى العام 2003 كان العراق مقبولاً لدى حكومة الولايات المتحدة.
فجأة، في العام 2003 لم يعد العراق مقبولاً، نحن لا نعرف لماذا؟ قيل لنا الكثير من الأكاذيب أن صدام حسين لديه أسلحة دمار شامل تشكل خطراً على أميركا.
الواضح أن عواقب تدمير واشنطن للحكومة العلمانية لصدام حسين، أفرزت حكومة أنتجها العنف الأميركي جعلت من البلاد ساحة حرب دائمة، حيث أصبحت مكاناً للعنف لسنوات مستمرة بما يساوي أو يجاوز حتى العنف الذي رافق الاحتلال الأميركي للعراق.
نشر مستشار الأمن القومي، ووزير الخارجية مجموعة من الأكاذيب للقبول بالعدوان السافر على العراق، وأبرز الادعاءات كانت أن حكومة صدام حسين العلمانية «لها صلة بتنظيم القاعدة»الذي يتحمّل مسؤولية 1/9» من الهجمات التي استهدفت واشنطن ونيويورك .
لا الكونغرس ولا وسائل الإعلام الأميركية لديها مصلحة في معرفة سبب المواجهة بين واشنطن والعراق، فإن «الخوف من العراق» سيظل لغزاً بالنسبة للأميركيين.
ولكن عواقب تدمير واشنطن لحكومة صدام حسين العلمانية، – الحكومة التي تمكنت من جمع العراقيين معاً من دون العنف الناجم عن الولايات المتحدة- جعل البلاد ساحة حرب دائمة، فالعنف الحاصل منذ سنوات يتجاوز، العنف المرتبط بالاحتلال الأميركي للعراق.
واشنطن لا تعير أي اهتمام للشواغل الإنسانية. الهيمنة هي قلق واشنطن فقط، كما هو الحال في أفغانستان وليبيا والصومال وباكستان واليمن وأوكرانيا وسورية، والعراق، واشنطن تجلب الموت فقط.
يوم 12 حزيران، 500000 من سكان الموصل، – ثاني أكبر مدينة في العراق،- فروا من المدينة وانهار الجيش الذي دربه الأميركيون وهرب من وجه تنظيم القاعدة، فطلبت الحكومة من واشنطن، توجيه ضربات جوية ضد تنظيم القاعدة، لكن واشنطن رفضت، وقد أرسلت إيران كتيبتين من الحرس الثوري لحماية الحكومة في بغداد.
وبعد نشر هذه المعلومات، كذب الرئيس الإيراني حسن روحاني تقارير وول ستريت جورنال، وورلد تريبيون، الغارديان، تليغراف، CNBC، ديلي ميل، تايمز أوف «إسرائيل»، وما إلى ذلك، بأن إيران أرسلت قوات لمساعدة العراقيين، ومرة أخرى تكون وسائل الإعلام الغربية قد خلقت واقعاً جديداً بتقارير كاذبة وخاطئة.
هل يتذكر أحد الدعاية التي روّجت لها واشنطن للإطاحة بصدام حسين من أجل تحقيق «الحرية والديمقراطية وحقوق المرأة العراقية»؟ كان علينا هزيمة تنظيم القاعدة، الذي لم يكن موجوداً في العراق في ذلك الوقت.
هل تتذكر وعود المحافظين الجدد «بالحرب النزيهة» التي لن تستغرق سوى بضعة أسابيع، وأن الحرب ستكلف فقط 70 مليار دولار ستُدفع من عائدات النفط العراقي، من المستشار الاقتصادي لجورج دبليو بوش الذي طرد لأنه قال إنّ الحرب ستكلف 200 مليار دولار؟
التكلفة الحقيقية للحرب بحسب الاقتصادي جوزيف ستيغليتز والخبيرة ليندا بيلمز في جامعة هارفارد كلفت دافعي الضرائب مبلغ 3 تريليون دولار، وهو الإنفاق الذي يهدد شبكة الأمان الاجتماعي في الولايات المتحدة.
هل نتذكر وعود واشنطن بأن العراق سيصبح بوساطة أميركا دولة ديمقراطية يشارك فيها الجميع ويعيشون في آمان؟.
ما هو الوضع اليوم؟
الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، تم تجاوزها من قبل القاعدة، – هذه القوة التي أعلنت واشنطن مراراً أنها هزمت تماماً.
هذه القوات تسيطر حالياً على ثاني أكبر مدينة في العراق وعدد من المحافظات، والشخص الذي أمنت عليه واشنطن لإدارة البلاد يتوسلها الآن لمساعدته عسكرياً ضد القوات «الجهادية».
ما قامت به واشنطن في العراق وليبيا، تحاول أن تفعله في سورية، تحاول تدمير الحكومات من خلال السماح «للجهاديين» بفرض سيطرتهم. وتواجه واشنطن احتمال تشكيل حكومة من «الجهاديين» في العراق وسورية. المحافظون الجدد في الشرق الأوسط أصبحوا تنظيم القاعدة.
لقد فتحت واشنطن صندوق المشكلات وهذا إنجازها في الشرق الأوسط.
مع سقوط العراق بيد القاعدة، تزوّد واشنطن قوى القاعدة بالأسلحة الثقيلة لضرب سورية. وتقوم بشيطنة إيران التي أرسلت قوات للدفاع عن النظام المصنّع أميركياً في بغداد، وهل في ذلك سخافة أكثر من قبل واشنطن؟
النهاية التي يمكن أن نستخلصها هي أنّ الغطرسة التي تعبّر عنها حكومة الولايات المتحدة جعلت واشنطن غير قادرة على اتخاذ قرارعقلاني ومنطقي. فهذه قواعد جنون العظمة في واشنطن.
بول كريغ روبرتس مساعد وزير الخزانة للسياسة الاقتصادية، محرر مشارك في صحيفة وول ستريت جورنال، كاتب عمود في مجلة بيزنس ويك، سكريبس هاوارد، وقد اجتذبت تعليقاته على الإنترنت أتباع في جميع أنحاء العالم.
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد ــ ناديا حمدان