عصر الاستقطاب: حلف الإخوان والوهابية

عامر نعيم الياس

قتلت السعودية بدمٍ بارد الشيخ نمر النمر المعتقل منذ عام 2012. كان بإمكان حكام آل سعود الإبقاء على النمر في المعتقلات الخاصة بهم، لكن الملك سلمان وقَّع على أمر الإعدام الصادر عن الوهابيين في سلسلة من الأوامر الملكية التي تساوي النمر وفكره بالقاعدة وفكرها، كلاهما «خرج عن طاعة أولي الأمر».

لا يريد الحكم الجديد في السعودية المهادنة اليوم، إذ تزامن إعدام النمر مع وقف الهدنة القائمة في اليمن واستئناف المذابح من جانب طيران آل سعود وبعض ممالك الخليج. فالعصر اليوم عصر حرب، والسنة الجديدة ليست سنة تسويات.

لا دور لأحد والدور للكل في مقتل النمر، لا نريد الدخول في تفاصيل فكر الشيخ القتيل، ولا نريد أن نحسب على طرف ضد طرف، لكن كان بالإمكان تلافي تحويل النمر إلى رمزٍ يستمد بعضاً من القدسية والتحريم من رواية تاريخية وحادثة مماثلة يستند عليها المسلمون الشيعة في تكوين نظرتهم للعالم وحتى للإسلام.

مشى النمر على الدرب الشائك المؤلم ذاته، وضحى بحياته في مواجهة الظالم وسيفه. ألا يدرك آل سعود ما الذي فعلوه، وهل الأمر بحاجة إلى رضا غربيّ وتحديداً أميركي؟

نظرياً الأمر بحاجة، لكن أدوار الأنظمة باتت هي الأساس في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ منطقتنا، فالأزمة الأخلاقية التي نمر بها والتي أفرزت ما نراه من أزمات سياسية ومذابح، تستلزم الدفع بكل الأوراق إلى طاولة للعب وممارسة أقصى درجات التطرف لتغليب وجهة نظر طرف على الطرف الآخر، كما تستلزم أن يمارس كلّ من زُرِع في هذه الأمة وظيفته التي وجد من أجلها وسُلّم الحكم من أجلها، هنا لا يختلف النظام السعودي، على سبيل المثال، عن النظام الأردني، فالسعوديون اليوم يمارسون دورهم على أكمل وجه، وهم مدركون أن قتل النمر سيؤدي إلى ردود فعلٍ في الشارع قبل تلك الرسمية، لا تحمد عقباها، وستعود الذكرة إلى الوراء 1400 سنة، وتطفو على السطح ثنائية القتل بين القاتل والقتيل، لتصبح حالةً مستمرة لا مجرد ذكرى مرّ عليها التاريخ ويراد بإحيائها التقريب بين المذاهب الإسلامية، فالعصر اليوم هو عصر العودة إلى الحروب، هو عصر إنهاء أي محاولة للتقارب بين المذاهب الإسلامية، فما بالك بين المسيحية والإسلام.

الغريزة تحكم تصرفات وسياسات آل سعود حالياً هي وحدها لا شريك لها تحكم أداء مملكة الذبح ومذهب التكفير لكل من هو مختلف، وهو المشهد الذي يريد أن يراه الحكام الجدد. فانفلات الشارع والحرب على مواقع التواصل الاجتماعي ترينا حال هذه الأمة ومستقبلها، هذه الأمة التي لا يراد لها أن تخرج من ثأر الدم والانتقام.

المؤكد أن اغتيال النمر في السعودية ليس كما بعده، فنحن اليوم أمام مشهد يتميز بالتالي:

ـ على صعيد الداخل السعودي سيستغل الحكام الجدد بمن فيهم الغلام المسمى وزيراً للدفاع الاندفاعة الشعبية لتوجيه ضربة نهائية للحراك في المنطقة الشرقية، ومذبحة جديدة بحق أهالي القطيف والعوامية وبغطاء أميركي، مع أن الموقف الرسمي في المنطقة الشرقية حتى اليوم يدعو إلى ضبط النفس، لكن آل سعود يريدون أولاً الاستمرار في القتل، والربط بين إيران الحراك في المنطقة الشرقية لتصفية أي قيادي يمكن أن يشكل خطراً كالشيخ النمر.

ـ على الصعيد الإقليمي، دخول العلاقات السعودية ـ الإيرانية مرحلةً جديدةً من التصعيد في ساحات المواجهة والتي من الممكن أن تشهد توسعاً ليشمل دولاً جديدة في المنطقة، فيما ساحات المواجهة القائمة من العراق إلى اليمن فسورية ستشهد مزيداً من العنف أقله في الربع الأول من السنة الحالية، إذ إنه من الواضح أن الرياض لا تريد أن تقبل بأيّ حلّ سياسي وأيّ تهدئة في أيّ ساحة، ولعل تزامن قتل الشيخ النمر مع استئناف عمليات القصف الوحشي في اليمن خير دليل على ذلك.

يُدخل النظام السعودي المنطقة في مرحلةٍ جديدة من التوتر والاستقطاب، يقوده حقده إلى مزيد من القتل والتدمير ورفض للآخر على قاعدة موقف أميركي ملتبس وفضفاض، وحلفٌ إقليمي مع قاتل آخر في تركيا، حلفٌ يجمع الإخوان والوهابية بشكلٍ رسمي.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى