ريفي يتطلّع لقياس شعبيته في طرابلس و«حزب الله» للحشد

روزانا رمّال

ليس الامتحان في انتخابات طرابلس البلدية لقدرة تيار المستقبل على استقطاب الشارع هناك بعد انتخابات بيروت وصيدا وانكشاف قدرته المحدودة والمتراجعة فيهما بعد غياب الرئيس الحريري الأكثر جذباً في الاستحقاق الانتخابي هذه المرة، فغياب الحريري لفترة طويلة عن البلاد وبعد انخراط «المستقبل» بشكل كبير في الحرب السورية بامتداداته الخارجية ودعمه المعنوي تارة والمادي أحياناً، وعبر وجوه وشخصيات فيه بعضها غاب تماماً عن الساحة، فالمنتظر اليوم اختبار حجم حضور القوى المتشدّدة في الشمال وشعبية ممثليها، خصوصاً في طرابلس، وما لها من رمزية أساسية في الحرب السورية، «ففيها ومنها» انطلق عدد من المقاتلين نحو سورية انخرطوا في الصراع بشكل نسف أيّ إمكانية للعودة إلى مرحلة ما قبل الحرب، فالاصطفاف الحاصل ونشوء أسماء ورموز أضحت خلال السنوات الخمس عناوين لمعارك خضّت المدينة أكثر من مرة، وفتحت الملفات على مصراعيها، غيّر طابع المدينة التي يعتبر فيها الصراع اليوم بين القوى الأكثر «انفتاحاً» على القوى السياسية برمّتها والأكثر تزمتاً وتشدّداً سياسياً والتي تفضل ربط مصيرها بالخارج، خصوصاً الحدث السوري الذي أصبح من يوميات المدينة عند بعض الفعاليات التي تجد فرصة في إثبات وجودها لأول مرة، حتى أنّ بعض التحالفات للانتخابات البلدية تقول المصادر إنها تمّت آخذة بعين الاعتبار هذا الحساب القادر على نقل المدينة نقلة نوعية ومصيرية، فتصبح ثاني الأمثلة بعد عرسال التي كشفت نتائج الانتخابات فيها حرص أهلها على تخليصها من السمعة التي طغت على روحيتها والتي تجسّدت بأخذ المدينة نحو هوية تكفيرية بامتياز، وهي التي خضعت لاحتلال جدّي وحصار من قبل التكفيريين الذين يقطنون أعالي الجرود، وبالتالي فإنّ خسارة رئيس بلدية عرسال» السابق» المعروف بـ «أبو عجينة» ليست إلا تعبيراً من قبل أهاليها عن رفض التقوقع ضمن هذا العنوان.

نتائج انتخابات الشمال وتحديداً طرابلس هي أحد أهمّ المؤشرات التي ستحدّد شكل المرحلة المقبلة من عمر الصراع السوري في المنطقة الحدودية الشمالية، والتي ستكشف نيات القوى السياسية الفاعلة من أهل المدينة إذا ما كانت تتجه نحو ترك المدينة بؤرة توتر تتحرك عند الحاجة أو عند أيّ استحقاق أم لا. وعليه فإنّ المسؤولية الأكبر اليوم تقع على الناخب الطرابلسي القادر على معرفة التمييز بين لوائح تعود بالفائدة على مدينته، وبين تلك القادرة على الإمعان في فتح شوارع المدينة أمام كلّ العابثين من قوى محلية وإقليمية.

في هذا الإطار، يبدو الوزير المستقيل أشرف ريفي إحدى أبرز الشخصيات الطرابلسية المنافسة التي تدعم لائحة انتخابية بصفة بعيدة عن تيار المستقبل، فالوزير ريفي وعلى الرغم من محاولات زملائه وزراء المستقبل نفى أيّ خلاف بينه وبين الحريري، يبدو لأول مرة منافساً سياسياً لدوداً وربما قادراً على حصد شعبية داخل مدينته، وهي الشعبية نفسها التي حرص على مخاطبتها بما يتناسب مع النهج السياسي الذي دخل فيه ريفي بقوة المعركة السياسية في لبنان. فريفي وزير العدل المستقيل، والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي أمسك بالملفات الأكثر مصيرية واستفزازية بالوقت نفسه في حياة اللبنانيين، لكنه استطاع تجييرها لصالحه ضمن خطاب «متطرف» ايّ خطاب حدّد موقفه بشكل مباشر في القضايا الخلافية، فرفع مسألة العلاقة مع سورية في ظلّ النظام الحالي للرئيس السوري بشار الأسد إلى سلّم أولوياته، رافضاً التعامل معه بأيّ شكل من الأشكال، ثم رافضاً لترشيح الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو صديق الرئيس السوري وأحد رموز المرحلة السابقة، أيّ مرحلة «الوصاية السورية»، بحسب ريفي الذي يعتبر أنّ أيّ حضور بهذا المستوى لتلك الرموز هو خسارة كاسرة لفريق 14 آذار، أو على الأقلّ ما تبقّى منه، يُضاف إلى كلّ ذلك ملف الوزير السابق ميشال سماحة الذي شكل أبرز الأسباب «الظاهرة» لاستقالة ريفي من الحكومة، وهنا يتبيّن بعد عودة الوزير سماحة إلى السجن أنّ سبب الاستقالة أو أحد أبرز أسبابها «سقط»، لكن ريفي لم يعدّل عن استقالته، معتبراً أنّ ذلك غير وارد، وأنه غير مستعدّ للبقاء فيها مع مَن لا يحترم مصالح لبنان في الخارج ويعرّض علاقاته مع الخليج، وخصوصاً السعودية للخطر.

النقطتان هنا ليستا لصالح ريفي… فالأولى تكشف أنه استقال بنية تكبير زعامته، والثانية تؤكد أنّ ريفي يُخضع ممارسته لمهامه في البلاد لحسابات خارجية وانْ ظهرت بهذا الشكل النافر وهو يرفعها إلى سلّم الأولويات، فينسحب من مهامه على أساسها. من هنا يمكن وضع تصريحاته المتطرفة نحو حزب الله في هذا الإطار، لكن الأخطر استخدامه إياها لحشد أكبر قدر ممكن من المؤيدين في الانتخابات البلدية، أو ربما للإحاطة بشعبية تحميه من سلسلة الاتهامات التي تعرّض لها منذ انتشار معلومات وتقارير تتحدّث عن دعمه لقوى مسلحة في الشمال لها علاقة وثيقة بأحداث سورية.

يستخدم ريفي منذ فترة الهجوم على حزب الله كأداة أساسية في حشده لدعم الطرابلسيين للائحة التي تحظى بمباركته في طرابلس، فينقضّ على الحزب من بوابة العقوبات المالية، ويقول: «لن نسمح لحزب الله بأن يتعرّض للقطاع المصرفي، والمصرف المركزي سيطبق العقوبات الدولية على الحزب بحذافيرها ودويلة حزب الله ستزول وسنقيم الدولة اللبنانية». اللافت هنا أنّ الرئيس الحريري ومنذ عودته ظهر بخطاب معتدل قبل الانتخابات البلدية وبعدها وحرص على اللقاء بكلّ القوى السنية، وهذا ما لم يلتزم فيه ريفي والذي يشكل أسئلة كبرى حول دوره ومضمونه وخروجه عن سياسة تيار المستقبل بالكامل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى