الإعلام العربي.. وتحديات المرحلة

بشير العدل

فرضت المتغيّرات العالمية، السياسية منها والاقتصادية، أوضاعاً جديدة في منطقتنا العربية، وفي العالم بأسره، تتطلب بدورها استراتيجيات مختلفة لمواجهتها نظراً لما تخلّفه من آثار سلبية في الأجلين القصير والطويل.

وجعلت تلك المتغيّرات منطقتنا العربية، شأنها شأن باقي مناطق العالم، تموج في المرحلة الراهنة بأحداث جسام، خلّفت الكثير من التحديات التي تتطلب مواجهة عربية تضامنية، لما بين دول المنطقة من قواسم مشتركة في أسباب ظهور تلك التحديات، وهو ما يحتّم عليها ضرورة اتباع سياسات مشتركة أيضاً لدرء الأخطار التي لا تتوقف آثارها بحكم طبيعتها عند دولة دون أخرى، وإنما هي آثار عابرة للحدود.

وعندي أنّ الإعلام العربي كما لعب دوراً، وما زال يلعب، في فرض خلق بعض من تلك التحديات والمتغيّرات، وفرض تبعاتها على المنطقة، حتى وصلت إلى حدود الخطر الذي تستوجب مجابهته، فإنّ عليه أن يعمل في اتجاه صرف تلك المصائب التي حلّت بالأمة العربية، وكان سبباً في زرعها واستفحال خطرها، بسبب البعد عن المهنية ومراعاة مواثيق الضمائر والأخلاق المهنية والوطنية لدى بعض وسائل الإعلام التي خرجت عن السياق المهني والوطني.

ومع تعدّد تلك المتغيّرات والتحديات إلا أنّ خطر الإرهاب يأتي في المقدّمة منها، وهو مفهوم شامل وأوسع من تلك التحركات التي تتبنّاها جماعات وتنظيمات إرهابية في الدول التي ظهر فيها ما يسمّى «الربيع العربي»، وإنما يمتدّ إلى الإرهاب الأكبر في المنطقة، والذي تمّ زرعه فيها منذ ما يقرب من سبعة عقود من الزمان وهو الإرهاب «الإسرائيلي»، الذي تمارسه سلطات الاحتلال بدعم أميركي بحق الشعب الفلسطيني. وهو الإرهاب الأخطر الذي تفرّعت منه الجماعات والتنظيمات الإرهابية في دول «الربيع العربي».

واعتمدت قوى الشرّ العالمية الجديدة التي تريد استكمال تنفيذ مخططها في المنطقة على المال السياسي، الذي وظفت به منظمات تدّعي أنها مدافعة عن حقوق الإنسان، وحركات وجماعات سياسية تدّعي أنها تطالب بالتحوّل الديمقراطي، وساندت هذه وتلك آلة دعاية إعلامية متعدّدة الأهداف والرسائل كي تخدم الهدف السياسي الاستعماري الأكبر، وهو زرع «إسرائيل» في المنطقة وتثبيت أقدامها في الأرض العربية، وتقسيم الدول العربية بما يوفر للكيان الصهيوني بؤراً لدعمها عن قرب.

فظهرت آلة الدعاية الصهيونية مدعومة برأس المال السياسي، كي تدافع عن الإرهاب «الإسرائيلي» وتظهر ممارساته الوحشية في حق الشعب الفلسطيني والعربي، على أنها دفاع عن النفس، وهو المنطق نفسه الذي تبرّر به جماعات الإرهاب الجديدة التي تفرّعت عن الإرهاب الأكبر، وتستند فيه الى المموّل الأكبر للإرهاب، والتي تقول بأنها تدافع عن الشرعية السياسية، لتمارس إرهاباً بحق البلاد والعباد، ليأتي ذلك كله خدمة للكيان الصهيوني.

دور المال السياسي في دعم الإرهاب وتوظيف الإعلام لخدمته، هو الفخ الذي قد تكون وسائل إعلام وقعت فيه، أو دخلت فيه بمحض الإرادة، غير أنّ هناك وسائل إعلام عربية قومية ما زالت تؤمن بالهدف العربي القومي، وهي التي نعوّل عليها في تغيير مجرى الأحداث، وتبصير الرأي العام العربي بأهداف الإرهاب بكلّ أشكاله وخطورته وضرورة مواجهته.

وقد سبق أنّ دعونا عبر بيانات ومقالات صحافية عدة في مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية، طالبنا من خلالها جميع وسائل الإعلام والنقابات والاتحادات والجمعيات المعنية بالصحافة والإعلام في منطقتنا العربية، بضرورة التوافق على تبني سياسة إعلامية، لكشف وفضح ممارسات الإرهاب بحق الشعوب العربية، وفي مقدّمتها الإرهاب «الإسرائيلي» بحق الشعب الفلسطيني، وبطبيعة المخاطر التي تحيق بالأمة العربية جراء العمليات الإرهابية التي تريد الإتيان على الحرث والنسل والبلاد والعباد.

الإعلام العربي إذن في حاجة الى رسالة جديدة تأخذ بعين الاعتبار العوامل سالفة الذكر، وتعمل على مواجهة الإرهاب الذي لن يبقي ولن يَذَر إذا استمرّ في غيّه دون مواجهة إعلامية قوية تدعمها إرادة عربية وعزيمة لا تلين على دحره والقضاء عليه من جذوره.

مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى