حكومة الحريري: حصة الأسد لمحور المقاومة…

هتاف دهام

شكل تأليف الحكومة إنجازاً قبل بداية العام المقبل. إنجاز للعهد وللرئيس سعد الحريري والمكوّنات السياسية. أعطى رسالة أساسية أنّ لبنان تحكمه التوازنات. توازنات جزء من أمر واقع، تؤكد هذه الحكومة استمراره إلى أجل غير مسمّى.

أثبت «المولود الجديد» واقعية رئيس تيار المستقبل وتسليمه النسبي بموازين القوى القائمة ونجاحه في تحقيق هدفه أن يتحوّل من رئيس مكلف إلى رئيس لمجلس وزراء فاعل. كلّ ذلك يفتح أمامه المدى الحيوي لتحقيق مجموعة من الأهداف الشخصية والسياسية.

ولدت الحكومة الحريرية الثلاثينية، قبل أيام من عيد الميلاد، وبعد شهر و18 يوماً على انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وعد فخامته أنها ستكون حكومة وحدة وطنية… ووفى.

خرق جدار التوليفة الوزارية الوطنية بقاء حزب الكتائب خارجها، لاقتناعه بأنّ له الأحقية بأن يحمل مَن يمثله حقيبة في «يده» بغضّ النظر عن «أساسية» أو «خدمية». حاول الحريري إقناع الصيفي بالمشاركة في حكومة الأشهر الخمسة بوزارة دولة. باءت كلّ مشاوراته مع النائب سامي الجميّل بالفشل. لكن رئيس التيار الأزرق نفسه لم يتنازل عن حقيبة لصالح حليفه في 14 آذار. حصل تيار المستقبل على خمس الاتصالات لجمال الجراح – الداخلية لنهاد المشنوق – الثقافة لغطاس خوري – الدولة لشؤون النازحين لمعين المرعبي العمل لمحمد كبارة . لم يفكر رئيس مجلس الوزراء بمبادلة حقيبة بـ «دولة» الكتائب.

لم تحمل التشكيلة مفاجآت سوى أنّ بكفيا المتصالحة مع نفسها، كما يقول الكتائبيون بقيب خارج السرب الحكومي. ما عدا ذلك بقي في حدود المتوقع. جرى تقاسم الحصة الشيعية بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله، تخلى الأخير عن مقعد للحزب السوري القومي الاجتماعي، فكان من حصة رئيسه علي قانصو وزير دولة لشؤون مجلس النواب فيما تمثلت المقاومة بالوزير محمد فنيش الشباب والرياضة والوزير حسين الحاج حسن الصناعة . أعطى رئيس المجلس المقعد السادس للدكتورة عناية عز الدين وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية خارقاً بذلك الذكورية الوزارية، إن كان الرئيس الحريري خصص وزارة دولة لشؤون المرأة وضع على رأسها الوزير جان أوغاسبيان.

أبقى «الأستاذ» على معاونه الوزير علي حسن خليل في «المال». فيما أجلس الوزير البقاعي غازي زعيتر في «الزراعة»، بعدما انتقلت «الأشغال» إلى بنشعي للوزير المرديّ يوسف فنيانوس بمعية عين التينة.

بين خلدة والمختارة توزّعت وزارات «الدروز». حصل رئيس الحزب الديمقراطي على وزارة المهجرين، لتأتي حصة الحزب التقدمي الاشتراكي غير وازنة «التربية» للوزير مروان حمادة، و«الدولة» لأيمن شقير.

وإذا كانت حصة حزب القوات واضحة منذ التكليف بإعلان رئيسه سمير جعجع الأسماء بيار أبي عاصي الشؤون الاجتماعية – غسان حاصباني نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للصحة – ملحم رياشي وزيراً للإعلام أصبح الوزير ميشال فرعون بدمجه بين الزيتي والأزرق وزير دولة لشؤون التخطيط بعد أن كان وزيراً للسياحة في الحكومة السلامية. في حين تولى هذه الوزارة اليوم نائب الأمين العام لحزب الطاشناق أفيديس غيدانيان.

يبقى الأهمّ أنّ حصة رئيس الجمهورية حصة فريدة من نوعها، بغضّ النظر أنها لم تضمّ لا شيعياً ولا سنياً. تشكلت من أربع العدل لسليم جريصاتي- الدفاع ليعقوب الصراف الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية لبيار رفول الدولة لشؤون مكافحة الفساد لنقولا تويني .

الأكيد أنّ الوزيرين جريصاتي والصراف تربطهما علاقة أكثر من ممتازة مع حزب الله. وإذا كان الصراف المعروف بوطنيته، من فريق الرئيس العماد اميل لحود في حكومة 2006، ويحظى برضى حارة حريك، فإنّ عضو تكتل التغيير والإصلاح الوزير جريصاتي كان أيضاً من فريق الرئيس لحود، وهو أعدّ كتاب الملاحظات القانونية الذي أرسله رئيس الجمهورية إلى الأمم المتحدة رداً على تهريبة رئيس الحكومة يومها فؤاد السنيورة الذي أبلغ الأمم المتحدة بموافقة لبنان على إنشاء المحكمة الدولية. كذلك تولى جريصاتي تقديم الرؤية القانونية الناقضة للمحكمة الدولية في مؤتمر مشترك مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في مكتبة المجلس النيابي في 2009. يرى حزب الله في وزير العدل المقاوم القانوني والرجل المناسب في المكان المناسب.

وإذا كانت المعارضة السنية غابت عن التشكيلة الوزارية، بعد أن سطع اسما رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبد الرحيم مراد، والوزير السابق فيصل كرامي، فإنّ تشكيلة التيار الوطني الحر جاءت لتضمّ لأول مرة من خارج السياق وزيراً سنياً طارق الخطيب من إقليم الخروب وزيراً للبيئة، إضافة الى تسمية التيار لرئيسه جبران باسيل وزيراً للخارجية، وسيزار أبي خليل للطاقة والمياه، ورائد خوري للاقتصاد والتجارة.

وبانتظار الصورة التذكارية للوزراء بعد غد الاربعاء عند 12:00 تليها جلسة لمجلس الوزراء في اليوم نفسه، كانت بارزة مطالبة الرئيس الحريري بأن يكون البيان الوزاري خطاب قسم رئيس الجمهورية.

إشارة ذكية من الشيخ سعد ستخرجه من بيان حكومة الرئيس تمام سلام. صحيح أنّ خطاب القسم يتضمّن موقفاً قوياً عن المقاومة والحرب الاستباقية ضدّ الإرهاب، لكن لم ترد فيه عبارة جيش شعب مقاومة. وبالتالي فإنّ هذا الخطاب يشكل مخرجاً معقولاً للقوى السياسية مجتمعة.

ولأنّ الحكومة تشكّلت، من المفترض أن ينتقل ملف قانون الانتخاب من المجلس النيابي إلى السراي الحكومي. أكد الحريري من منبر بعبدا، بعد إعلان مدير عام مجلس الوزراء فؤاد فليفل مرسوم التشكيل، أنه سيراعي النسبية. رمزية «نسبية بيت الوسط» يُعبَّر عنها بالاقتراح المختلط. لكن أيّ مختلط؟

من المحتمل أن توافق القوى السياسية في 8 آذار على اقتراح الصيغة المقدّمة من الرئيس بري. لكن مجرد إدخال تعديلات جذرية عليه يتضمّنها المشروع الثلاثي، فذلك يجوّفه من دلالاته وأبعاده، كما تقول أوساط هذا الفريق.

وفي السياق ارتبك الحريري في ردّه على سؤال لـ»البناء» عن قوله في اجتماع مع وفد من «التغيير والإصلاح» إنّ النسبية يمكن أن توصل المتطرفين في الشارع السني إلى المجلس النيابي.

تفاجؤ يؤكد صحة ما سرّب، وإن حاول الحريري نفي ذلك والتشديد على «أن لا مانع لديه بالنسبية، والدليل أنّ في المجلس النيابي مشروع قانون قدّمه تياره مع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. هناك صيغ جديدة تبحث تتضمّن النسبية».

إنّ تحدي تعاون مكونات هذه الحكومة بقيادة فخامة الرئيس هو تحدٍّ اختباري. سيبدأ جدياً الفرز بين خلافات الضاهر في المرحلة الماضية، وخلافات التطبيق الحقيقي للدستور في المرحلة المقبلة والتعايش بين الرئاسات.

الرابح في هذه الحكومة يقول قطب سياسي بارز لـ»البناء» هو الأمين العام لحزب الله. يثبت مجلس الوزراء مرة أخرى منظومة الانسجام بين الرئيس العماد وبين حلفائه في 8 آذار، رغم وجود القوات وبعض صقور تيار المستقبل والوزير حمادة. إذ إنّ ضفة محور المقاومة تضمّ حضوراً مؤثراً يجعلها تتفوّق بالوزن والتأثير والحضور.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى