مسار جديد أو الكارثة

عبد الرازق أحمد الشاعر

مَن يبدأ بإلقاء الحجر الأول أيها المواطنون التعساء؟

مَن يستطيع أن يغامر بهذا الملل ليلقي تحية الصباح فيوجّه ليلنا الكالح؟ كلنا ننتظر غودو الذي لن يأتي تحت ستار ليل يغطّ رجاله في أحلام تافهة ولا يخرجون كالرجال لملاقاة الفجر.

هل ننتظر سقوط آخر طفل في سورية وآخر حجر في العراق وآخر راية في مصر حتى نتمرّد على توابيتنا الخرساء؟

من حقنا أن نعرف كيف نواجه العواصف، أيها المسؤولون عن الدفة والأشرعة؟ ومن واجبنا أن نشارك في رسم آخر منظومة للدفاع عن هويتنا وأرضنا أيها المنهمكون في وضع الاستراتيجيات والخطط. بالأمس القريب وزّع القذافي مخزون الأسلحة على شعوب لا تجيد استعمالها. فلما وقعت الواقعة، وفّرت الجيوش يوم الزحف، وهرب المرابطون عند مشارف المدن، لم يجد البسطاء بداً من الوقوف في وجه الغزاة وإنْ بأيادٍ راعشة وأسلحة صدئة. واستمرّ إطلاق الأعيرة منذ موت الرجل، لكن القتل هناك لم يتوقف، وأنهار الدماء لا زالت تتدفق في الحارات والأزقة كلها، لكنها بالطبع ليست دماء الغزاة الزرقاء، لكنه دم قانٍ بلون أعلامنا المتساقطة الواحد تلو الآخر.

السلاح وحده لا يحمي شعوباً تفتقر إلى الرؤية والوعي والبصيرة. والأناشيد الحماسية لن تبعث الروح في قلوب أماتتها الشؤون الصغيرة من طعام ومأوى وكساء، حتى تفرّقت فوق كلّ الجهات أشتاتاً. ولأننا نواجه اليوم مؤامرة بحجم الكون، أطرافها قوى الشر من الشرق والغرب والجنوب والشمال، ولأننا أضعف ما نكون اليوم جمعاً، فلن تسعفنا الخطط الحربية وحدَها لإيقاف الموت القادم بسرعة الصوت إلى الشرق من كلّ الجهات.

علينا أن نلجأ إلى الشعوب، تلك الطاقة غير المعترف بها إقليمياً، والتي قُدّر عليها أن تدفع ثمن الحرب والسلام نزيفاً من دماء وأرزاق الأبناء، ولو مرة واحدة قد تكون الأخيرة، فنرسم لهم أملاً تتحلق حوله، ومرمى يوجّهون نحوه سلاحهم، حتى لا ينصرفوا ذات وقيعة لاقتتال داخلي مشابه يأتي على كلّ أخضر ورمادي وأسود في بلاد صار الأمن غايتها الأولى، والسلم هدفها الأوّل والأخير. لا بدّ من تثقيف تلك الشعوب التي لم تجد من يأبه لها على مرّ العقود حتى ظنت أنها لا تجيد عملاَ إلا الصبر والانتظار.

لا بدّ من نفخ روح الثقة والأمل في نفوس شباب اختطفتهم التكنولوجيا الحديثة من أهاليهم وأوطانهم، وجعلتهم يشعرون بالغربة في أحضان أمهاتهم، ولا يمتلكون من المشاعر إلا النقمة والكراهية والرغبة في التمرد على أيّ شيء وعلى أيّ قانون. لا بدّ من زرع روح المواطنة في نفوس شباب لا همّ لهم إلا الخروج من بوابات الوطن إلى أيّ شواطئ بعيدة حتى وإنْ أفقدتهم المغامرة أرواحهم وما تبقى في جيوبهم من أوراق نقدية. لكن نفخ روح الوطنية في قلوب لم تعُد تشعر بقليل انتماء نحو وطن يشعرون فيه بالغربة والتشرّد لن يكون ببث الأناشيد الحماسية في المدارس والجامعات والمستشفيات والنوادي. فالمواطنة شعور فطري تُغذّيه التنشئة والرعاية في شتّى صورها. كيف يشعر طفل بالحنين لأمٍّ لم تلقمه صدرها طفلاً أو توفر له أدنى متطلبات الرعاية شاباً وكهلاً؟

تحتاج أزمتنا الوجودية الطاحنة إلى عقول كبيرة تخرج عن المألوف في التعامل مع القضايا الشائكة التي وضعها التاريخ أمام طاولة حكام هذه الأمة دفعة واحدة. ولن يُعفينا الصمت من المواجهة، ولن يعفينا الانتظار من مشاركة كعكة الخيبة إذا سقطت القلعة الأخيرة في مواجهة قوى الشرّ، وساعتها لن يستطيع ألف غودو إخراجنا من قاع التهلكة الذي سبقتنا إليه الكثير من شعوب المنطقة.

Shaer129 me.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى