حديث الجمعة

زحفٌ سريع.. وتنمّقٌ وضيع!!

 

 

للروح نوافذ، فإذا الكلمة العميقة تكتبها العينان، صمت رهيب نعيشه وهو يذكّر بصمت القبور في جنة صغيرة على الأرض، جنة هي كانت ستغطي مساحة المكان ومساحة الزمان ولكن في زمان غير هذا الزمان

في الوقت الحاضر يقتل الإنسان بيديه كل ما هو جميل وبريء ودافئ وصادق، لتستأنف طاحونة التحضّر ابتلاع آخر ما تبقى من حلم بأن نضفر جدائل قلوبنا معلنين تعاطف الواحد منّا مع الآخر!

قيود ما يُسمّى التحضّر تمددت امتداد أنفلونزا خبيثة. هذه القيود التي تحكم قبضتها على الإنسان لتجفف منابع إحساسه بالآخرين، فإذا بها تركض به ركض المجانين وتعلمه زهد القُساة الذين هم على دين أفعالهم غير نادمين!!

كثيرة هي التصرّفات التي تبدو للوهلة الأولى متشابهة حدّ التطابق، ولكن إذا تأملناها بعين الفراسة بدا البون شاسعاً، ولكنّ مجهر الحضارة المستخدم في أيامنا هذه جعل الأكثرية تخلط بين الكثير من المفاهيم!!

إنّ من يخلط بين المُداراة والنفاق كالذي يخلط بين البخيل والاقتصادي، وبين الجبان والحذِر، وبين المتهوّر والشجاع، وبين الوقح والجريء، وبين المبذّر والكريم. وما أكثر المقارنات التي تفصل بينها شعرة رقيقة. ويا لحظّ من أدركها، فقد فهم الحياة أمّا من يتحجج بالتحضر والتمظهر بكل جديد فقد اقتلع الشعرة من جذورها!!

قد يمنعك ظرف ما أن تقول للظالم إنه ظالم. وهذه مداراة، ولكنّ النفاق أن تصفّق له. وهذا ما أورثته ذيول التحضّر!!

الحياة تضعنا كلّ يوم أمام مشروع مشكلة وقطيعة، ردّ فعلنا هو الذي يجعلها مشكلة، أو يطفئ النار قبل أن تشتعل، ومخطئ من يظن أن الحياة ساحة صراعات دائمة وينبغي الانتصار في كلّ معاركها، الحياة تحتاج إلى التغاضي، فلو وقفنا عند كل تصرّف، ولو انفعلنا عند كل كلمة لأصبحت الحياة جحيماً لا يُطاق. بين (نعم) و(لا) مسافة نضال!!

الحضارة والتحضّر جعلت الحياة آلة تبني بميكانيكية لتقتل الإنسانية. زمن هو يعلّق فيه الإحساس على عمود الآلة لا تفرق بين القلب والحجر، فإذا بزرع المحبة يموت، وإذا بورد العواطف يغادر البيوت!!

مسافة الانتظار المرهِقة لعديمي الروح قضت بأن يذبل الورد الذي كان يلهث لإدراك صحو الإنسانية.

كلّ شيء حلو يصير أكثر من مُرّ، وكلّ لحظة صفاء يحكم عليها قدرها بأن تموت قبل أن تمرّ، وكلّ هذا تحت مسمّى الحضارة وتشعباتها!!

مستحيل أن تفهم درس الحرية كما يفهمه العصفور

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى