الوطن

هل بدأ التدقيق الجنائي من سويسرا
ومن منصة القضاء اللبناني أولاً؟

 عمر عبد القادر غندور

 فجأة ومن خارج المتوقع، طلبت سويسرا من السلطات اللبنانية مساعدتها بشأن تحويلات مالية تخص مصرف لبنان المركزي ومقرّبين منه، عبر المساعدة القضائية بشأن تبييض الأموال.

 وقد تسلم القضاء اللبناني من السلطات السويسرية التي تحدثت عبر مذكرتها عن تحويل ٤٠٠ مليون دولار تخصّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه ومساعدته ومؤسسات تابعة للمصرف المركزي اللبناني بينها شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان.

 وما كان الطلب السويسري بشأن هذه التحويلات الضخمة ليقفز إلى الواجهة لولا رغبة إحدى الدول التي قرّرت المباشرة بالتدقيق الجنائي عوضاً عن السلطات اللبنانية المنهكة في صراعاتها وخلافاتها وفسادها على حدّ سواء، وهي تملك إثباتات عن تورّط سياسيين لبنانيين وموظفين في القطاع العام في عمليات نهب للمال العام وتبييض أموال، بغطاء من حيتان الطبقة السياسية من قمة الهرم الى أسفله.

 وما كان الطلب السويسري إلا ترجمة لتبادل المعلومات الضريبية التي ترعاها اتفاقية «كاتغنا» التي وقعها لبنان بقانون ٤٤_ ٢٠١٥، وهو ملزم بتسليم المعلومات عن حاكم المصرف رياض سلامة المسؤول عن الهندسات المالية وحماية المصارف التي سرقت أموال المودعين اللبنانيين، وهي من أعظم الجرائم في تاريخ لبنان، وإقراض الدولة من العملات الصعبة العائدة لأموال المودعين وبأرقام تفوق 15 مليار دولار دون ان يرفّ لها جفن!

 وتحمّل جهات سياسية في لبنان سلامة مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وتوجه إليه أشدّ الانتقادات لسياساته النقدية التي اعتمدها دون التشاور مع أحد طيلة سنوات مضت، بالإضافة الى تحويله ثروات نقدية من حسابات أشخاص جنوا مبالغ هائلة من غير وجه حق، وفّر الحاكم تحويلها الى الخارج بعد مظاهرات ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ في الوقت الذي كانت فيه المصارف السيئة الذكر تفرض قيوداً مشدّدة حتى على تحويلات اللبنانيين الى أبنائهم الذين يتلقون العلم خارج لبنان.

وما هو مصير الذهب في البنك المركزي الذي طالما كان وسادة أمان للخزينة!

ولما كانت هذه المصارف مرتبطة بسياسيين فاسدين ولما كان حاكم المصرف رياض سلامة على تفاهُم ودراية مع الطبقة السياسية، فهل ينطق بالكلام المباح دفاعاً عن النفس؟

وقد تسلم القضاء اللبناني بالفعل من السلطات السويسرية المذكرة المُشار اليها، ووُضعت لدى مكتب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي قال انّ لبنان تسلّم المذكرة السويسرية بطريقة اعتيادية ومن خارج القنوات الديبلوماسية وهي تتضمّن طلب تزويد السلطات السويسرية بأجوبة عن مجموعة من الأسئلة التي ينبغي طرحها على رياض سلامة وشقيقه ومساعدته.

 ويقول المحامي الدكتور قاسم حدرج «لو سلّم لبنان هذه الأدلة لأصبحت القضية موضوع جرم يُلاحق عليه رياض سلامة من القضاء اللبناني الذي ينبغي ان يفتح تحقيقاً جديداً يستجوب من خلاله رياض سلامة بصفته قضاءً أصيلاً لكون الجرم بدأ على الأراضي اللبنانية ومن موظف لبناني وعلى أموال لبنانيين.

وقد استمع النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على مدى ساعة لرياض سلامة بشأن الأسئلة السويسرية، وقد أبلغ سلامة القاضي عويدات انّ مجمل التحويلات لا تتعدّى ٢٤٠ مليون دولار بدأ تحويلها عام ٢٠٠٢ لتمويل شركة أسّسها مع شقيقه قبل عشرين عاما وتمّت من حساباتهما الخاصة.

ويُرجح ان يركز سلامة في معرض دفاعه عن نفسه في إطار شركته الخاصة وشركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان لامتصاص حرارة الأسئلة السويسرية وبعثرتها.

 ولكن ماذا عن تحويلات المبالغ الضخمة الى الخارج من حسابات موظفين وغير موظفين من الطراز الأول. ومن أين جمعوا هذه الثروات؟

وهل يعتقد الحاكم انّ «حربقة» اللبنانيين ستنطلي على السويسريين الذين هم موضع ثقة أصحاب الحسابات من جميع اقطار العالم؟

« أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ»

 لبناننا اليوم الذي يعيش أكثر سوداويته في تاريخه هل يشهد اختراقاً أممياً لأزماته المغلقة من بوابة التدقيق الجنائي المالي السويسري؟ تصديقاً للشرط الإصلاحي الذي يؤكد على ضرورة الإصلاح كبندٍ أساس لقيامة لبنان ومن غير ذلك لن تكون حكومة ولا مساعدات ولا من يساعدون.

 الحلّ بأيدينا ابتداء من انطلاق منصة القضاء اللبناني

فهل يكون!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى