مقالات وآراء

جرائم «الحاكم»بالصوت والصورة!

} أحمد بهجة*

تابعنا جميعاً في الآونة الأخيرة، وبتشويق كبير، الفضائح المجلجلة التي كشفت احتكارات هائلة جداً وغير مسبوقة ربما لدى أكبر المافيات والعصابات العالمية. وقدّر خبراء متابعون قيمة ما تمّت مصادرته في مستودعات الأدوية وفي خزانات المحروقات بحوالي مليار ونصف المليار دولار، ولا يزال مسلسل كشف الاحتكارات مستمراً، وربما هناك احتكارات مماثلة للمواد الغذائية وبمبالغ كبيرة أيضاً.

هي بضائع مدعومة جرى استيرادها وتخزينها على مراحل، حين كان الدعم لا يزال على سعر 1500 ليرة للدولار، يعني أنّ المحتكرين ارتكبوا جرائم عدة في آن واحد، جرم الاحتكار وجرم سرقة أموال المودعين وجرم حرمان هؤلاء الناس من الدواء والكهرباء والغذاء وما تسبّب به ذلك من ضحايا ومآس.

من الطبيعي المطالبة بإنزال أشدّ العقوبات بهؤلاء المحتكرين المجرمين، لكن معهم بل قبلهم لا بدّ من محاسبة ومعاقبة مَن موّلهم وسمح لهم بارتكاب هذه الموبقات، ومَن أصرّ على أن يبقي الدعم بشكله الحالي، ورفض كلّ الاقتراحات والأفكار التي كان من شأنها أن توفر مليارات الدولارات على الخزينة العامة.

لقد تبنّى رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب طرح البطاقة التمويلية قبل سنة تقريباً، وتمّ إعداد أكثر من مشروع قانون بهذا الشأن على أن يعتمد مجلس النواب القانون الذي تراه الغالبية النيابة مناسباً للسير به قبل وقف الدعم بشكله الحالي، لكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي سطا على المال العام خلافاً لكلّ القوانين والأنظمة التي تفرض عليه الخضوع لسلطة مجلس الوزراء، استمرّ يكابر ويعاند، يحجب الدعم ويعيده كيفما يشاء، لا سيما مؤخراً حين ارتكب جريمة إعلان رفع الدعم كلياً عن المحروقات في توقيت مشبوه خاصة أنّ اللجنة الوزارية المكلفة بوضع الإجراءات التنفيذية للبطاقة التمويلية أنهت عملها ولم يبقَ إلا الإعلان عن بدء التطبيق، وهو ما سيحصل في أواخر شهر أيلول الحالي.

لم يقف دور «الحاكم» في نهب المال العام عند هذا الحدّ، بل تورّط أكثر فأكثر في مشاركة المستوردين والمحتكرين جرائمهم في إخفاء الأدوية وعدم تسليمها رغم الحاجة الماسّة إليها، حيث استمرّ لأشهر عديدة يخفي فواتير استيراد الدواء رغم إلحاح وزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن ومطالبته الحاكم بالكشف عن هذه الفواتير لكي تتمّ متابعة عملية تسليم الدواء إلى الصيدليات من خلال نظام التتبّع الالكتروني.

   ولما أذعن «الحاكم» وبدأ يسلّم المعلومات بالقطارة إلى وزارة الصحة، رأينا ما رأيناه من مستودعات مليئة بالأدوية وقد حُرم منها آلاف المرضى الذين لا غنى لهم عنها، وبعضهم فارق الحياة لأنه لم يجد دواءه الشافي لا في الصيدليات ولا في المستشفيات.

هل هناك ما هو أفظع من هذا الإجرام الذي تكشفت أدلته أمام أعين اللبنانيين جميعاً، وكيف يبقى شخص كهذا في موقعه الذي يستغله للتخريب على الاقتصاد وجعل الأزمات تتفاقم وتزداد فيما الواجب أن يتركز دوره على إيجاد الحلول، وهي موجودة ومتوافرة لكنها تحتاج إلى أصحاب الضمير الحي لكي يعتمدوها ويقوموا بما يجب لمصلحة الوطن والمواطنين.

وبدلاً من ذلك نجد هذا «الحاكم» يتفنّن في اختراع الوسائل التي تعقّد الأزمة، حيث نرى مثلاً ستة أو سبعة أسعار رسمية للدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية… فضلاً عن اعتراف «الحاكم» في مقابلته الإذاعية (المتلفزة أيضاً) قبل أيام، بسعر السوق السوداء، وهذه سابقة تاريخية لم يقدِم عليها أيّ حاكم مصرف مركزي في العالم، وربما يستحق عليها رياض سلامة جائزة جديدة من تلك الجوائز التي كان يشتريها من أسواق المال والإعلام في العالم، وبالعملة الصعبة التي كان يسحبها من أموال المودعين!!

بعد كلّ هذا كيف يمكن التغاضي مجدّداً وعدم إنزال القصاص والعقاب بحقّ من ارتكب كلّ تلك الجرائم التي أغرقت البلد وأنزلته إلى قعر الهاوية؟!

*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى