أخيرة

نافذة ضوء

أجودُ الأدبِ أدبُ الحياة
‭}‬ يوسف المسمار

الأدب الحيّ كما يقول العالم الاجتماعي أنطون سعاده يجب أن تكون:
«أصوله في الحياة، وكل أدب لا يعرف الحياة لا يحيا».
وبما أن أدب الحياة هو الأدب الذي يحيا، فإن الخواطر النابعة من منابع الحياة والممتدّة جذورها في أعماق الحياة، والمستمدّة روحها من جمال الحياة، والهادفة الى رقيّ الحياة هي التي تصلح لمرافقة الحياة على طريق الحياة الطويلة والشاقة في واقعيتها وصفاء روحها وألق تسامي معانيها.
ولكن الحياة ليست جامدة بل الحياة نموّ، ونموّ الحياة وعيٌ يكبر، ومعرفة تتسع، ونَظَرٌ يمتد من قديمٍ صالح الى جديد أصلح الى مستقبل غاية في الصلاح. ومن كوكبٍ مضيء إلى فضاءٍ أكثر ضياءً، ومن نبعٍ عاطرٍ إلى جوٍ أعطر، ومن قمةٍ عاليةٍ الى قممٍ أعلى، ومن أفقٍ رحبٍ الى أفقٍ أرحب وأبعد في مسارٍ تاريخيّ حضاريّ لا يتنكّر لجذور أصله وأصالته بل يجعلها نقطة ارتكازه وقاعدة انطلاقه الى فوق، والى ما بعد فوقٍ وفوق مجدّداً مفاهيم الأشياء والمعاني والقيَم برؤية أوسع ونظرة أشمل إلى الوجود والحياة والكون، وإبداع أرقى في ترسيخ التأسيس والإنشاء والبناء.
ولا يتحقق الأرقى والأجمل والأشمل في أي منتج إنسانيّ اجتماعيّ الا باستناده الى نظرة الى الحياة حضارية أرقى وأجمل وأشمل سواء كان منتج الإنسان معرفةً أو فلسفةً أو علماً أو أدباً أو فناً أو اقتصاداً أو سياسة أو إدارة أو تنظيماً او زراعة أو جهاداً أو تضحية أو أيّ شأن آخر من شؤون الحياة الضرورية لرقيّ الحياة الإنسانية.
فإذا لم تتجدّد النظرة إلى الحياة وترتقي بتجدّد طاقة العقل ورقيّ رؤياه وبدائع تصوراته، فلا يتجدّد الفكر ولا يرتقي الشعور ولا تسمو العواطف ولا يُفتح بابُ التجديد للأدب بشعره ونثره بل يستمرّ اجترار حتى الأدب القديم الأصيل الرائع فاقداً أصالته وروعته بالاجترار، وفاسحاً المجال لتراكم الضحل من الأدب في داخل المجتمع، ومُسهّلاً الطريق أمام الغزو الفكري التضليلي الذي يزيد أبناء الأمة عماءً فوق العمى، وضلالاً فوق الضلال، وعبودية فوق العبودية.
وكل نثر أو شعر أو فن أو علم أو قول لا تكون خواطره شرارات وشراقط في ليل أمتنا البهيم المتلبّد بتراكم ظلمات عهود الانحطاط، وويلات عصور الخرافات، وعبوديات الخنوع لغزوات جحافل الهمجيات التي حرفت خطط عقليتنا عن مسارها الأصيل، وأخرجت نفسيتنا عن طبيعتها الخيّرة، وأطبقت على مناحي فكرنا وعواطفنا السامية بانفعالات الغرائز البهيمية الدنيئة الحقيرة، لا ينفع في شيء، وخاصة في هذا الزمن الذي تكالبت فيه قوى العدوان علينا وكادت تُخرجنا من الوجود والتاريخ والحضارة لولا طليعة من بنات وأبناء أمتنا الذين استطيبوا الجوع لتبقى رؤوسهم مرفوعة، واستلذوا الجراح لتستمرّ مقاومتهم فاعلة، وأحبوا الموت لتكون حياة أمتهم وحياتهم عزيزة لأصبح وجود الأمة ووجودهم خارج الزمن وطوى بلادنا النسيان والعدم. فمن لا مكان ولا زمان ولا حضارة له في هذا العالم وهم في وهم، وهباء في هباء، وفناء في فناء، ولا تفيده جميع الأمكنة والأزمنة والحضارات.
والأدب الذي لا يحضّ النفوس على الفعل الجميل والحياة الأجمل عدمه أفضل من بقائه لأنه رتابة تقود الى الاتكال، واتكال يدفع الى التخاذل، وتخاذل يرمي الإنسان في الخمول، وخمول لا يستحقّ من وقع فيه إلا مكبّات القذارات.
أما الأدب الجيّد فطريقه دائماً وأبداً الى الأجود والأرقى وهذا هو الأدب السامي الذي يقول به تفكير النظرة السورية القومية الاجتماعية الشاملة الى الحياة والكون والفن التي أرادته حافزاً لأبناء الأمة ولأجيالها مدى الزمان على النهضة، والانتفاض على كل واقع مستنقعيّ، والقفز الى شاطئ الأمان، والتحليق الى فضاءات العلى لتمطر بماء الحياة الفضلى جميع حقول الإنتاج الوطنية والقومية والإنسانية التي تجعل الوجود أحق، والحياة أخير، وعالم الإنسان أجمل فنستطيع بهذا الأدب السامي أن ننتج أدباً جيّدا جديداً لأنفسنا وللعالم الذي نحن جزء منه فنكون بأدبنا الجيّد الجديد المتجدد مصدر إلهام لأجيالنا ولغيرنا، ونكون جديرين باحترام أنفسنا واحترام الأمم لنا.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى