الوطن

عشية الانتخابات «الإسرائيلية»… نتنياهو محبط والهوّة عميقة مع أميركا بشأن الملف النووي

} عمر عبد القادر غندور*

 حاول رئيس الوزراء في دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو استثمار التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة قبل أيام قليلة من الانتخابات «الإسرائيلية» المقرّرة اليوم الثلاثاء.

 وسعى نتنياهو الذي يتولى السلطة منذ عام 2009 الى القفز فوق متاعبه وتلميع صورته، ورأى أنّ زيارة إلى الإمارات العربية من شأنها دعم شعبيته، في الوقت الذي أعرب فيه الإماراتيون عن غضبهم من التداعيات السياسية للزيارة لو حصلت

وقد تلقى نتنياهو مثل هذه الإشارة فأعلن إلغاء الزيارة على خلفية صعوبات في التنسيق مع الأردن بشأن عبور طائرته مجالها الجوي.

ولم تؤكد الإمارات زيارة نتنياهو لكنها أعلنت عن اتصال بين نتنياهو وولي العهد محمد بن زايد تخلله الاتفاق على إنشاء صندوق إماراتي بقيمة عشرة مليارات دولار للاستثمار في «إسرائيل»!

وكانت الأمارات أوقفت الترتيبات المتعلقة باستقبال وفود «إسرائيلية» وكبار المسؤولين الأميركيين ورؤساء الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع «إسرائيل» وسط خلاف ديبلوماسي حول محاولة نتنياهو استخدام ابو ظبي كمحطة في حملته الانتخابية.

 ويبدو انّ المشاحنة الديبلوماسية هي أول خلاف علني بين الدولتين منذ إقامة العلاقات بينهما في العام الماضي.

 وكان نتنياهو يصرّ على زيارة الإمارات لاستغلال ذلك في معركته الانتخابية، وإظهار نفسه كـ «بطل للسلام»، وتوجيه رسائل السلام الى الدول العربية.

ووفقاً لتقارير، كان من المقرّر عقد قمة تضمّ نتنياهو كبار المسؤولين الأميركيين ورؤساء الدول العربية التي قامت بالتطبيع مع «إسرائيل». وكان من المقرّر عقد القمة في أبو ظبي ولكن جرى تأجيلها بعد أن غضب ولي العهد محمد بن زايد من مسعى نتنياهو استخدام الدول الخليجية في الانتخابات.

وما زاد الأمر سوءاً، قلل وزير إماراتي على ما يبدو يوم الثلاثاء الماضي من أهمية الإعلان عن إنشاء صندوق استثمار بقيمة 10 مليارات دولار، مخصص لصالح قطاعات استراتيجية في كيان الاحتلال، وهي نقطة روّج لها نتنياهو بشكل كبير قبل الانتخابات.

 ويخشى نتنياهو من أن يكون الموقف الإماراتي يمثل إشارات إلى فشله في الانتخابات بتلميح من الإدارة الاميركية الجديدة، لا سيما أنّ نتنياهو كان يأمل ان تحقق زيارته للإمارات كسباً لجهوده الانتخابية.

وقالت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية في عددها الصادر أول أمس الأحد أنّ ابو ظبي أصيبت بالذهول من تصميم نتنياهو على استغلال العلاقة الثنائية لصالح مصالحه الانتخابية.

مثل هذه المخاوف التي قضّت مضجع نتنياهو قبل ساعات من الانتخابات «الإسرائيلية» تنسحب على الخلاف الاميركي «الإسرائيلي» العسكري والاستخباري حول الملف النووي الإيراني، وانّ هناك «فجوة واسعة» في التقديرات. وأشار تقرير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» نُشر قبل يومين الى أنّ «عمق الفجوة بين إسرائيل والولايات المتحدة بالاضافة الى آخر اتصال للرئيس جو بايدن برئيس «الحكومة الاسرائيلية» مثل تسريب خبر الاعتداءات «الإسرائيلية» على السفن الايرانية المبحرة الى سورية، وهي اعتداءات لا تسرّ الجانب الأميركي في الوقت الحاضر. وتقول أجهزة «إسرائيل» أنها تراهن على أنّ الأميركيين هم من سرّب الخبر الى «وول ستريت جورنال».

 وتعلم «إسرائيل» انّ الرئيس بايدن الذي أهمل الاتصال بـ نتنياهو لفترة ليست قصيرة على غير عادة، هو ذاته الذي عيّن في إدارته أشخاصاً كان لهم دور مهمّ في الاتفاق النووي بين إيران والدول 5+1، بالاضافة الى إعلان الاتفاق النووي وكأنها تركض في اتجاه الإيرانيين، وترفض في الوقت ذاته اجراء نقاشات جدية مع «إسرائيل» حول صورة الوضع الاستخباري حول البرنامج النووي الإيراني.

 ولا تحجب «إسرائيل» غضبها من السلوك الأميركي وتتساءل كيف تستطيع الولايات المتحدة و «إسرائيل» التوصل الى استنتاجات غير مختلفة كلياً؟

ويقول ضابط رفيع في الاستخبارات العسكرية في الجيش «الإسرائيلي»: «كيف لا نعجب عندما نذهب الى النافذة فنرى الشمس والشمس حارقة بينما نظيرك الأميركي الذي يجلس الى جانبك يقول: لاإنه الليل الآن!

 في المقابل قال رجل استخباري أميركي: «أنا أعتقد أنّ الإسرائيليين واثقون من انّ الأميركيين ساذجون انْ لم يكونوا حمقى! وفي كلّ مرة خلال العقدين الاخيرين نلتقي فيها مع عناصر الأجهزة الإسرائيلية ويقولون: العام المقبل سيكون حاسماً»؟

هكذا يرون الأمور «إيران قريبة إليهم أكثر.. وتهدّدهم أكثر.. لكن مع مصطلحات مثل: محرقة، وخطر وجودي، وليس لديهم أدلة دامغة بالحقائق، ومن الصعب جداً في مثل هذه الحالة التوصل الى نتائج مشتركة. وكانت الصحف الانكليزية ناقشت في أعدادها الصادرة أول أمس صفقات ترامب وآثارها على الشرق الأوسط، وقالت «انّ هذه الصفقات الملتوية لن توفر أيّ سلام في المنطقة، وهي صفقات تتلاعب بالعدالة وتعاقب الضعفاء وتحركها الأطماع وتعتمد الابتزاز ومبيعات الأسلحة».

وتدّعي «يديعوت أحرونوت» انّ «إيران بدأت إنتاج أجهزة الطرد المركزي ويجري تركيبها بالمئات، وانْ كان بدرجة تخصيب نووي بلغت فقط 3.5%، وهي نسبة تكفي لصنع ثلاث قنابل تقريباً، وإنْ مضت إيران قدماً وخصّبت ما تقدر عليه، فباستطاعتها الوصول الى تخصيب عسكري فوق 90% خلال خمسة أشهر.

 وتستند «إسرائيل» في مساعيها لإقناع الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية بسوء الاتفاق النووي على 3 عناصر وفق الصحيفة وهي:

أولاً: كانت لإيران خطة نووية عسكرية أطلق عليها اسم «آماد» أغلقت في العام 2003.

ثانياً: تدّعي الاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» انّ إيران لا تدمّر مكونات «مجموعة التسليح» والمواد الخام، بينما هي تحفظها في جملة المواقع السرية التي تحجبها عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما تنفيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ثالثاً: تدّعي «إسرائيل» انّ هذه المجموعة واصلت نشاطاتها منذ العام 2003 في المواقع السرية، وهو أيضاً ما تنفيه الوكالة الدولية.

 على هذه التفاصيل التي توردها الوسائل «الإسرائيلية»، ومعظمها غير صحيح، هي للضغط على الإدارة الأميركية للامتناع عن العودة الى الاتفاق النووي، ولم يعد الحديث عن إمكانية العودة الى الاتفاق النووي، وإنما حول قيام الإدارة الاميركية الجديدة بذلك، ومتى وبأيّ ثمن!

من وجهة نظر الرئيس الأميركي بايدن انّ تسريع إيران لبرنامجها النووي والتوترات الإقليمية المتأجّجة هي نتيجة للضغوط القصوى الخاطئة التي اتبعها سلفه ترامب، والرئيس بايدن على استعداد لرفع العقوبات النووية إذا عادت إيران الى الامتثال له، وهو ملخص الخطوة الاميركية الأولى.

 مثل هذا المنطق الأميركي الغريب الذي يحدّد لإيران طريق العودة الى الاتفاق وكأنّ إيران هي التي خرجت من الاتفاق ولحست توقيعها وليست أميركا التي ينبغي لها العودة الى الاتفاق وإصلاح ما أفسده رئيسها السابق دونالد ترامب، بالإضافة الى الاعتذار.

 والغريب أن يقول نتنياهو إنه بصدد اتخاذ موقف متشدّد للغاية بشأن عودة بايدن الى الاتفاق النووي، وهو يفضل الشراكة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وليس مع مسؤولي حكومته الذين يريدون اتباع نهج أكثر هدوءاً مع الإدارة الأميركية الجديدة!

ويتركز الموقف «الإسرائيلي» السعودي في المرحلة المقبلة على محاولة تضييق الخناق على إيران والضغط على إدارة بايدن عبر تشكيل جبهة مكونة من «إسرائيل» ودول الخليج بحيث لا تستطيع الإدارة الأميركية الذهاب الى الحوار مع إيران من دون موافقة هذا التجمع.

وفي جديد التهديدات «الإسرائيلية» في غضون الساعات الماضية ما كشفت عنه الصحف «الإسرائيلية» الصادرة أمس الاثنين، في معرض التحضير لعدوان جديد قولها انّ الإيرانيين سينتقمون من خلال وابل من الصواريخ ضدّ أهداف «إسرائيلية»، وانّ وابل الصواريخ الهائل سيتغلّب على نظام الدفاع الصاروخي الأحدث في إسرائيل».

 ولهذا السبب، ورغم تجدّد وباء كوفيد 19 في أوروبا ذهب رئيس كيان الاحتلال إيفيلين إلى ألمانيا والنمسا وفرنسا واصطحب معه رئيس الأركان الاسرائيلي ايفيف كوخافي، وتوجه وزير الخارجية غابي اشكنازي الى موسكو. وغاية هذه الزيارات إطلاع المسؤولين الأوروبيين على التهديد المتزايد بالحرب، والحصول على مساعدة عاجلة وفعّالة من حلف شمال الأطلسي وروسيا للضغط على إيران للتخلي عن طموحاتها النووية وكبح جماعاتها عن أيّ فعل ضدّها من الساحة اللبنانية».

 وقال كوخافي إنه «يجب القيام بكلّ شيء لمنع إيران من الحصول على قدرة نووية عسكرية، وانّ أيّ اتفاق مستقبلي يجب ان يتضمّن قيوداً ليس لها تاريخ انتهاء!

وفي سياق متصل ذكرت «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية انّ «إسرائيل» تجري محادثات مع السعودية والإمارات والبحرين لتحالف دفاعي ضدّ إيران.

 ويقول مسؤول «إسرائيلي» انّ النقاشات تتناول توسيع التعاون لمواجهة «أعداء مشتركين»، وانّ هناك الكثير من الخطوات الممكنة التي يمكن تحقيقها.

 في كلّ الأحوال، تدرك إيران جيداً هذه السياقات وهي التي اتسم تعاطيها في السنوات الأربع الماضية بالحكمة والهدوء والذكاء، فيما خرج عدوّها الأحمق ترامب مطروداً من واجهة الأحداث، وهي تؤكد انّ العودة الى الاتفاقية النووية ليست غاية بحدّ ذاتها، وتدرك انّ انتصارها لا بل انتصاراتها التراكمية وصمودها في وجه حملة الضغوط الترامبية هي الشيء الذي تعّول عليه. وترصد متغيّرات وثوابت الاستراتيجية الأميركية التي تدرك أهمية المجال الحيوي لإيران والبلاد العربية كموقع جيوسياسي يختزن الثورة النفطية الأعلى في العالم.

 وإذا كان السلوك السياسي الأميركي قد عرف تلوينات متعددة في تعامله مع دول المنطقة، إلا انّ ثابتاً استراتيجياً لم يطرأ عليه ايّ تغيير او تعديل في السياسات الأميركية المتعاقبة ألا وهو السعي الأميركي الصهيوني الدائم لتنفيذ استراتيجية التجزئة المعادة الإنتاج في الشرق الاوسط، ولنا عودة انْ شاء الله الى استراتيجية التجزئة التي تشكل الحجر الأساس في منهجية العدو، وسنعرض لها في تحقيق لاحق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى