عربيات ودوليات

ليبيا في حسابات المصالحة التركيّة – المصريّة

} د. هدى رزق

التزامن المقصود بين زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي إلى العاصمة اليونانية أثينا بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة مع وفد وزراي من أجل محادثات تفصيليّة مع أنقرة، يُعتبر خطوة في سبيل إقامة نوع من التوازن في العلاقات الدوليّة والإقليميّة، إلا أنّ زيارة أنقرة تخلّ بالفعل في هذا التوازن نظراً إلى حجم الملفات والاستثمارات بين الطرفين.

استمرّت زيارة الدبيبة يومين بحث خلالها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والوزراء المختصين تفاصيل العلاقة التركية – الليبية، والمزيد من التعاون في مجالات عديدة. ولا يُخفى أنّ الدبيبة هو رجل أعمال يملك استثمارات كبيرة في تركيا. لكنه في الوقت عينه يتطلع الى بناء علاقات مع كلّ من مصر واليونان ومصر، ولكن لا يبدو انّ الأمر سيكون سهلاً في ظلّ التنافس من جهة والعداء المستحكم بين هذه الأطراف الإقليمية مصر والإمارات، والدولية فرنسا وروسيا الى حدّ ما…

وكان رئيس الوزراء الدبيبة قد قام، بزيارة الى مصر فيما زار رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي باريس في أواخر شباط الماضي، ليبدّد شكوك هذه الدول حول توجهاتهما القريبة من تركيا لا سيما أنّ المنفي الذي كان سفيراً في أثينا التي طردته عام 2019 بسبب الاتفاقية التي عقدت بين فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني في حينها وتركيا بشخص رئيسها الطيب أردوغان والتي أشعلت الخلافات بين تركيا واليونان التي اعتبرت ان الاتفاقية تمسّ جرفها القاري.

ما من شكّ حول متانة العلاقات الليبيّة التركيّة، لكن العلاقات الفرنسيّة المصريّة والأميركيّة داعمة اليوم للتوجّهات نحو بناء علاقات ليبية مصرية أكثر متانة. وهذا ما لمسته أنقرة وهي تعمل على التقارب مع مصر بشكل مضطرد وتحافظ على المدرّبين العسكريين في ليبيا كذلك الوجود الاستخباري إضافة الى التمركز المسلح الذي تسعى مصر عبر الأمم المتحدة والضغوط الدوليّة لطرح شرعية تمركزه على الأرض الليبية.

أما الرئيس التركي فهو يقوم بتجاهل الضغوط المصرية والفرنسية و»الإسرائيلية»، اذ يعي تماماً ان التخلي عن المرتزقة بشكل كامل سيجعل موقعه في أيّ مفاوضات ضعيفاً، وهو ينتظر أن تتمّ المحادثات حول شرق المتوسط متسلحاً بالاتفاق الليبي والعلاقة المستجدّة مع مصر من أجل الحصول على ما يريده من خلال الدبلوماسية.

بعد تخليه عن فكرة «الوطن الأزرق» بعد حشد المؤيدين لها في الداخل. وتقديم تنازلات في إذعانه للمفاوضات الجارية مع اليونان بطلب من الاتحاد الأوروبي الذي قويت شوكته بعد مجيء بايدن إلى سدة الرئاسة الأميركية، لن يقدّم الرئيس التركي تنازلات في الموضوع العسكريّ بعد الحصول على مراده في الشراكة الاستراتيجية في شرق المتوسط.

وكان المشير خليفة حفتر قد صرّح في 11 نيسان أنه لن يسمح بالتلاعب بالجيش في إشارة الى وجود المرتزقة المرسلين من تركيا والى وجود المدرّبين العسكريين الأتراك في ليبيا، فيما يرى أردوغان أنّ المشكلة تكمن في وجود حفتر ومرتزقة فاغنر الذين تدعمهم روسيا والإمارات. في مؤشر واضح على المشكلات التي تعتري توحيد القوات المسلحة الليبية.

وعلى الرغم من المبادرات التركيّة لإقامة علاقات طبيعية مع مصر إلا أنّ الأخيرة لا تزال تشترط تقديم عناصر من الاخوان المسلمين الى السلطات المصرية، كذلك الانسحاب التركي من سورية والصومال وليبيا وهي شروط تعجيزيّة، لكنها مهمة لإظهار صورة السيسي معانداً للعلاقة مع تركيا بعد العداوة المتمكنة بين السلطتين السياسيتين والتي انعكست شعبياً.

في الواقع يُنتظر أن يتمّ الاتفاق بين الجانبين على «مبادئ مشتركة» في شأن التعامُل مع المعارضة السياسية الموجودة في كلا البلدين، على نحو يفيد الجانبين. ما جرى التوافق عليه في اجتماعات التنسيق الأمني خلال الأسابيع السابقة، يتلخص بطلب مصر تسليم تركيا عدد من المطلوبين قبل تسمية السفراء، هذا على الصعيد الأمني، أما في ما يخصّ المسائل السياسيّة يبقى الرهان على الدور الأميركيّ بعد الزيارة المرتقبة لـ أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركيّ الى ليبيا للقاء مسؤوليها.

تخطو العلاقات المصريّة التركيّة خطوات سريعة نحو إتمام مبادئ مشتركة في اللقاء الذي سيعقد بين وزيري خارجية البلدين بعد إتمام الجولة الثالثة من اللقاءات الأمنيّة التي ربما تحدث بعد أسابيع. وكانت تركيا قد أعلنت ترحيل 200 من أعضاء الاخوان المسلمين عن تركيا، منهم مَن حصل على تأشيرة دخول الى أوروبا او إقامات في بلدانها وهناك آخرون كانوا قد غيّروا أسماءهم وينتظرون الحصول على جنسيّات تركية وقامت القاهرة بشطبهم عن سجلاتها.

أقامت تركيا حظراً على بعض الوسائل الإعلامية التي تنتقد النظام المصري. فيما تلعب قطر دوراً توفيقياً بين البلدين من أجل إتمام المصالحة.

يأتي تعجيل هذا التقارب من قبل تركيا من أجل إغلاق باب المناورات أمام اليونان التي زار رئيس وزرائها طرابلس من أجل حثها على التراجع عن الاتفاقية مع تركيا لكونها تمسّ بالأمن البحري اليوناني. كذلك من أجل تهيئة الأجواء أمام اتفاقات جديدة في شرق المتوسط تكسب فيها مصر مساحات أوسع من تلك التي حصلت عليها في اتفاقها مع اليونان وتؤكد فيها تركيا على شرعيّة اتفاقها مع ليبيا التي تستفيد هي الأخرى من الثروة الغازية. إلا أنّ ليبيا تخشى من أن تجد نفسها أمام مشكلة وجودها في مجموعة اقتصاديّة تضمّ «إسرائيل» في الوقت الذي لا تقيم فيه كلّ من سورية ولبنان أيّ علاقات مع «إسرائيل».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى