مقالات وآراء

هل يؤسّس لقاء اليوم بين الرئيسين لتأليف الحكومة؟

} علي بدر الدين

 المستجدّ الحكومي التفاؤلي المتمثل بتسمية وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة، لم يُحدث الصدمة الإيجابية المطلوبة، ولم يبدّل في قواعد اللعبة والكباش ومواقف المنظومة السياسية الحاكمة وشروطها المسبقة، ولا في تنازلها عن القليل من حصصها ومكاسبها وامتيازاتها ولو مؤقتاً، لتسهيل عملية التأليف، والتخفيف من أعباء وضغوط ما يعاني منه لبنان واللبنانيون من كوارث ومآس وفقر وجوع وبطالة وذلّ وحرمان.

«الإيجابيات» التي سبقت «إنجاز» التكليف ووواكبته، ويسوّق لها البعض سياسياً وإعلامياً، وما تلاها من لقاءات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في قصر بعبدا، أنتجت وفق المواقف المعلنة، او من خلال التسريبات الإعلامية من القريبين من الرئيسين، تفاهماً «مبرماً» بين الرجلين على»تثبيت» 20 حقيبة من أصل 24، وإسقاط الأسماء عليها على قاعدة «العدالة» وتوزيع الحصص الطائفية بين مكونات هذه المنظومة، بانتظار الحقائب الأربع الباقية، ليكتمل معها عقد الحكومة المنتظرة، وهي الخارجية والداخلية والمالية والعدل، وفي ذلك محاولة لتكبير الحجر، و»شدّ الحبال» بين القوى السياسية والطائفية والمذهبية، بهدف انتزاع حقيبة الداخلية والكل «نفسهم» فيها وعيونهم عليها، لأهميتها وحاجتها، مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي النيابي، وتعتبر «أمّ العقد» المعرقلة للتأليف أقله بالشكل والمعلن، تليها وزارة العدل، بالدرجة الثانية، لأهميتها أيضاً في مواكبة التحقيقات الجارية بشأن كارثة انفجار مرفأ بيروت، وما ينتظرها في الآتي من الأيام، اذا ما نجحت القوى السياسية التحاصصية النفعية في تأليف الحكومة. أما إضافة حقيبتي الخارجية والمالية تحديداً إلى عقد التأليف فهي للمناورة و»الابتزاز»، لا سيما أنّ حقيبة المال محسومة منذ تكليف السفير مصطفى أديب، وخط أحمر يحذر الاقتراب منه، وممنوع إدخالها في «بازار «توزيع الحقائب والأسماء.

العقد التي تواجه تأليف الحكومات في لبنان، هي ذاتها لم تتغيّر منذ عقود، خاصة إذا ما ترك الأمر والقرار للقوى السياسية المحلية التي لم» تتعوّد» على التأليف من دون الاستعانة بشقيق او صديق للبنان، لأنها على ما يبدو، بل التأكيد أنها لم تتعلم ولم تستفد من التجارب، أو لأنها لم تبلغ بعد سنّ النضج والرشد وتحمّل المسؤولية، او كأنها تتعمّد إظهار نفسها بهذا القصور والفشل، لأنّ همّها الوحيد، ان تبقى في مواقعها السلطوية بدعم من الخارج وتغطيته لحماية مصالحها ومكتسباتها وأموالها، ومن بعدها الطوفان.

المهم أنّ عقدتي الداخلية والعدل «بكفة» وباقي الحقائب «بكفة» أخرى، والتفاهم عليهما يفتح الطريق مباشرة أمام التأليف، ومن دونهما، لا حكومة مهما بلغ التفاؤل والتبشير بالإيجابيات، التي تبقى مجرد أوهام أو أضغاث أحلام، ولأنه «إذا شكا عضو تداعت إليه سائر الأعضاء بالحمى والمرض».

إنه أمر معيب جداً، وخطير، وغير مسبوق في أيّ دولة في هذا العالم المترامي، خاصة إذا علمنا، أنّ لبنان دخل كتاب «غينيس» للأرقام القياسية باعتباره الدولة الوحيدة التي استهلكت ثلاثة مكلفين لتأليف حكومة، على أمل ألا يفشل المكلف الثالث ويعتذر.

لن نصدر أحكاماً مسبقة ومبرمة، ولن يلغي الشعب اللبناني المسكين من قاموسه مصطلحات التفاؤل والإيجابية والخواتيم السعيدة، مع أنه لُدغ مرات عديدة، ولكنه لن يغرق كثيراً أو قليلاً بهذه العناوين التي لم يذق طعمها من قبل، في ظلّ سلطة الفساد والمحاصصة والمحسوبيات، ولم يجد لغاية اليوم، سوى ادّعاءات ومزاعم وتمنيات ورغبات وتباشير بتأليف الحكومة، على أمل ألا يطول موعدها كثيراً، لأنّ هذا التكليف، قد يكون الأخير في هذا العهد، وهذا يعني أنّ عواقبه وتداعياته ستكون خطيرة ومدمّرة وقاتلة.

رغم اليأس والإحباط والذلّ، وكلّ المصائب والكوارث التي حلت بهذا البلد وشعبه واقتصاده ودولته ومؤسساته، فإنّ الرهان وللمرة الأخيرة، سيكون على اللقاء الرابع اليوم بين الرئيسين، والذي وفق مصادر متابعة، سيكون مفصلياً وحاسماً، لوضع الأسماء على الحقائب وفي سلة واحدة، واذا لم يتفق الرئيسان ويحسما الأمر في هذا اللقاء، فإنّ هناك استجراراً للقاءات أخرى، وقد تؤدي إلى اعتذار المكلف الثالث والإطاحة بحلم التأليف،

ولا يبقى في الميدان سوى حكومة تصريف الأعمال، التي صرفت نظرها عن القيام بواجبها وتحمّل المسؤولية، خاصة أنّ عدداً من وزرائها باتوا مجهولي الإقامة.

هل يؤسّس لقاء الرئيسين اليوم لتأليف الحكومة، ام أنه سيفشل ويضع مصير بلد وشعب في مهب الريح، وعلى كف الخطر الجاثم والداهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى