مقالات وآراء

الفساد

} د. عدنان نجيب الدين

الفساد بكلّ أوجهه هو شرّ مستحكم بالإنسان، وقد حاولت في بحثي «مسألة الشر» أن أتحرّى أصل هذا الشرّ وهل هو مخلوق مع الإنسان أم سابق عليه في وجوده أم هو أمر يخلقه الإنسان ويكتسبه بأعماله… وكانت دراستي عن مسألة الشر في أبحاث الفلاسفة الغربيين لا سيما الفيلسوف الفرنسي بول ريكور فوجدته موجوداً في بنية الإنسان…

ولعلّ الله الذي أراد للإنسان أن يكون حراً، قرن حريته بالقدرة على الاختيار، فوضع في الإنسان ميلين أحدهما للخير والآخر للشر، وهنا تدخل التربية وحرية الإرادة لتجنح بهذا الإنسان نحو الخير إذا تلقى المناعة الأخلاقية لتقيه شر الانحدار نحو الفساد، وإلا فسوف يمشي خطوة ثم خطوات نحو الشر، لا سيما إذا لعبت الظروف الاقتصادية الصعبة دورها في تشجيعه على الانحراف…

نعم، الفساد تضرب جذوره في عمق عقلية الإنسان اللبناني سواء كان مواطناً عادياً أم مسؤولاً سياسياً. واللبنانيون في معظمهم فاسدون وهذا له أسبابه منها:

1 ـ القوانين اللبنانية التي هي بحاجة إلى تعديل لأنّ معظم الهدر والسرقات التي ارتكبها السياسيون مقونن بطريقة تمنع محاكمتهم ومعاقبتهم.

2 ـ انّ اللبناني بسبب افتقاده المناعة الأخلاقية من جهة، وسوء الإدارة في الدولة من جهة أخرى، يلجأ إلى الرشوة لتمرير معاملاته الإدارية وغير الإدارية ولو كانت غير قانونية.

3 ـ انّ السياسيين كما بعض الموظفين ليست لديهم الكفاءة العلمية والخبرة العملية فيقعون في أخطاء إدارية تكلف الدولة أموالاً طائلة.

4 ـ انّ التوظيف في لبنان لا يخضع لامتحان الكفاءة بل إلى رضى زعيم طائفته. والسبب الخامس أنّ الخطوط الحمر التي يضعها رؤساء الطوائف تمنع محاكمة أيّ سياسي أو موظف كبير مرتكب .

6 ـ انّ النظام الطائفي أدّى إلى محاصصات تمنع من إدارة الدولة بشكل سليم، لأنّ كلّ زعيم طائفة يمكن أن يعطل أيّ قرار، وبالتالي تصبح عجلة الدولة معطلة بانتظار التوافق الذي لن يأتي إلا بعد اقتسام المغانم بين الزعماء.

7 ـ وهو سبب أساسي، فهو ارتباط عجلة الاقتصاد في لبنان بكارتيلات ووكالات حصرية أدّت إلى تهميش قطاعات الإنتاج الصناعية والزراعية وربط الاقتصاد اللبناني، سواء المصرفي أو الخدمات، بالولاء للغرب الإمبريالي الذي يشهد على فساد الطبقة الحاكمة ويدعمها.

8 ـ هو سبب يأتي نتيجة لهذا النظام الطائفي، وهو أنّ المواطنين اللبنانيين بدل أن يتوزعوا قطاعياً أو نقابياً، أيّ إلى عمال وفلاحين وأصحاب مهن حرة وإداريين إلخ… نجدهم قد اصطفوا طائفياً ومذهبياً ضمن أحزاب ونقابات طائفية، يدافعون عن زعيم الطائفة بدل أن يدافعوا عن حقوقهم .

إذن، ما الحلّ ؟

الحلّ لا يكون إلا بالوعي أولاً وأخيراً، أن يعي اللبناني انّ مصلحته تتناقض مع مصالح الزعيم الذي يخدعه تحت شعار حقوق الطائفة. فعليه إذن أن يتضامن مع زملائه في أيّ قطاع من قطاعات الإنتاج ويتحرك بعزم وثبات ضدّ الطبقة الحاكمة، وإلا سيبقى مطية الزعيم وضحية الفساد والفقر والحرمان وصولاً إلى الجوع والخلل الأمني الذي يهدّد حياته وبقاءه في وطنه كمواطن حر يعيش عيشة كريمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى