حديث الجمعة

لهذا توقفت عن الكتابة

وصلتني كلمات من إعلامي قدير يعاتبني فيها على البوست الذي ذكرت فيه أنني سأترك الكتابة الدراميّة التي لم أعد أشعر أنني أهلٌ لها وأنني أفكر في التوجه لمجالِ آخر مختلف تماماً..

قال لي: هذا البوست ليس جيداً بحقك ككاتبة لها اسمها ومكانتها وموقعها المميز بين كتاب الدراما.

فأخبرته أن هذا العتب لم يصلني فقط منه، بل من الكثيرين ومنذ زمن طويل لهذا سأجيب عن تساؤلات كثيرة كانت تصلني عبر الخاص أين انت من الدراما في هذه الأيام؟ ولماذا لم تعد لك أعمال؟

منذ عشر سنوات ظهر لي عمل «بنات العيلة» وبعدها حملت بكرم ومن ثم ألمى أجمل هدايا الله لي ودخلت في سنوات الأمومة التي وفرت فيها لطفليَّ كل ما تقدّمه الأم من اهتمام ورعاية وحب.

ولكن قضى الله أمره واكتشفت بعد أن أصبح ابني (كرم) بعمر السنة والنصف أنه مصاب باضطراب التوحد واسودّت الحياة مرة واحدة في عيني وزهدت بكل شيء، فالتفت لرعايته والعناية به والركض به من طبيب لمركز ومن اختصاصي لروضة تقبل حالته ووضعه الصعب..

ومرت السنوات الصعبة الثقيلة التي ابتعدت فيها بسبب مرض ابني عانيت فيها أشد ما يمكن أن تعانيه أم لمرض ابنها الحبيب من قهر وألم وتعب نفسي قبل الجسدي، ولكنني أصريت أن أكتب حتى لا يُنسى اسمي حسبما نصحني الجميع وكتبت عمل (دانتيل) بصعوبة بالغة وبحب بالغ (واعتبرته الفسحة التي أخرجتني من التعب النفسي الذي كابدته لسنوات طويلة) لكن دانتيل وضع في الدرج لسنوات أربع وتأجل إنتاجه لظروف الشركة التي تبنته.. كل سنة كنت أسأل متى سينتج دانتيل والتأجيل مستمر إلى أن فاجأني المنتج أن دانتيل عمل لا ينافس الأعمال الحاليّة ولن ينتجه لعدم كفاءته كنص دراميّ.. وأكلت أقوى الصفعات بعد صفعة مرض ابني.

ثم رفض منتج آخر بعد أن عملت معه على عمل آخر سنة كاملة في التعديل بحجة أن غيري قدّم الأفضل.. وبدأت رحلة العثور على منتج يتبنى ما أكتب لكن دون جدوى.. بعضهم رفض وبعدهم حتى لم يكلف خاطره للاعتذار عن رفضه نصوصي.. في البداية ظننت أنني وبعد التوقف الطويل عن الكتابة وعودتي لها أنني بتُّ من أصحاب الكهف الذين ناموا وعندما صحوا واستفاقوا انتبهوا أن الزمن ليس زمنهم..

يبدو أنني مثلهم بنصوصي الجديدة ربما تغيّرت طقوس الحرفة وأصبح الزمن ليس زمن ما اكتبه.. تحمّلت وزر الفشل وبدأت تغيير طريقتي في الكتابة بعد نصائح وإرشادات من المواكبين للدراما الحديثة عن ظروف الدراما الحديثة ومتطلباتها.. وشاهدت الكثير من الأعمال الدراميّة على المنصات وبالفعل شعرت أن الدراما تغيّرت..

لن أتحدث عنها. فالجميع يعرف أين وصلت الدراما اليوم من استسهال لكل شيء وتحليل كل المحرّمات ونشر الحياة المتحررة بطريقة مخزية.. فانكشفت الأجساد وقصرت التنانير وغلب على الأعمال الطابع الغربي حتى أن أغلبية الأعمال أخذت من أعمال أميركيّة وبأسلوب التصوير نفسه وحتى الألوان لم يعد يهم التفكير بالعائلة بالصح والخطأ، وما يجب أن نراه وما لا يجب، خصوصاً في ظروف العالم الأخيرة حيث غلب التشتت الأسري وعم الفساد والتفكك حتى داخل الأسرة الواحدة.. ورغم ذلك جاهدت لأكتب أعمالاً تناسب رسالتي في الحياة وطورت أساليب كتابتي لأواكب التطور الدرامي الحاصل، لكن أعمالي ما زالت تُرفض والجهات المنتجة ما زالت تكتفي بعدم الرد.. تعبت جداً من هذه المشاعر، خصوصاً أن أعمالي القديمة ما زالت تُعرض لليوم وما زالت تتابع لمرات ومراااات فما الذي تغير حتى أصبحت بنظر كل مسؤول عن العملية الإنتاجية لم أعد أصلح لهذه المهمة؟ ربما مرض ابني وتوقفي عن الكتابة كل هذه السنوات السبب وربما الحلة الجديدة للدراما السبب وربما أن هناك لعنة تلاحقني كل الوقت هي السبب، لكنني والله احترم قلمي واحترم رسالتي ومبادئي وقناعاتي في الحياة ولن أتراجع عنها لأكسب أعمالاً جديدة لم تعد على قياسي.

شكراً لمن قرأ كلماتي وأعدكم أنني سأعود للكتابة يوم أشعر أن الزمن زمني زمن الرسائل الجادة والقضايا التي تهم كل أفراد العائلة بعد أن أصبحت الأعمال لنجم واحد.. وبدل أن نكون كتّاباً أصبحنا خياطين نخيط للنجم أو النجمة ما يظهر عضلاته المفتولة ويظهر مفاتنها وجمال تقاسيمها.. غابت الرسالة وغلب الاستعراض.

لم أعد أجد نفسي ولم يعودوا يجدونني صالحة للكتابة ربما…

لهذا اعتذر من جمهوري الرائع.. الجمهور الذي كان يستمتع بمشاهد لا تؤذي نظره ولا عقله، وأعده أن أعود للكتابة عندما أجد من يحترم الرسالة التي بدأت الكتابة لأجلها ولن أتخلى عنها لأنني سأحاسب عليها ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلبٍ سليم).

أحبكم واتمنى أن تروني قريباً في عمل يشبهنا ويشبه واقعنا الذي بدل أن نفضحه ونفضح خباياه واجبنا أن نحسنه ونقدّم الصورة الجميلة في هذا الزمن الصعب والبشع والمقزز.

رانيا بيطار

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى