أولى

بوتين والانتقال إلى المسرح الرئيسيّ للحرب

– يستطيع من يتابع وسائل الإعلام العملاقة المهيمنة على الرأي العام ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أثبتت في الأسابيع الماضية أنها أقل حرية وأكثر التزاماً من وسائل الإعلام التقليديّة بسياسة حكوماتها، أن يكتشف أن الثقل الرئيسيّ للحرب انتقل من ساحة أوكرانيا الى ساحة حرب الطاقة العالمية والعملات المعتمدة فيها، بعدما امتصت الأحداث ثقل العقوبات على روسيا وإزاحتها من الواجهة، وتحكّم الرئيس الروسي بمجريات الميدان العسكري وملاقاته بمسار تفاوضيّ يبقيان خلاله على نار هادئة، لصالح تركيز الأضواء على المسار الوليد من رحم الحرب، تحت عنوان سؤال: هل تستطيع أوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي وهل يتم اعتماد الروبل عملة دفع في سوق الطاقة؟

– خلافاً للاعتقاد السائد بأن جوهر الحروب هو الميدان العسكري، فإن جوهر الحروب هو العنوان الذي تتخذه في خطاب صناعها والمشاركين فيها، وفي قلب صراع العناوين، جوهر الحرب يبقى في أي منها يصبح الأوسع انتشاراً في أوساط الرأي العام. وخلال أسابيع جهد الغرب كله لجعل عنوان دخول الجيش الروسيّ كجيش أجنبيّ الى أراضي دولة ذات سيادة هي أوكرانيا هو العنوان، ولاحقاً ربط هذا الحدث بتحميل روسيا مسؤولية دمار وخراب وقتل وجرائم، بينما اكتشفت روسيا ضعف وعجز سرديّتها لمبررات عمليتها العسكرية وعلاقتها بالعمل لرد عدوان مستتر تحت شعار حرية الدول في بناء تحالفاتها كمقدّمة لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، الذي يعادل قرار حرب على روسيا، وأن عليها أن تستغل كونها الفاعل الرئيسي في الحرب لتصنيع أحداث تتحوّل الى عنوان مهيمن، يروي الحكاية الحقيقية للحرب، ويفرض حضوره على إعلام الخصوم قبل أن يتبناه إعلام الأصدقاء، فأحسنت الاختيار بربط الحرب الميدانيّة بعنوان يختصر مستقبل العلاقات الدوليّة ومستقبل النظام العالمي الجديد، من بوابة حرب الطاقة والنظام المالي العالمي وموقع الدولار المهيمن على سائر العملات.

– لن نشهد تسارعاً دراماتيكياً يحجب العنوان عن التداول لحساب سواه، لأن موسكو حريصة على بقائه في الواجهة، حتى لو اضطرت الى مدّ حبل التنفيذ تدريجياً بإنذارات للمستوردين ومنحهم مهلاً للتصحيح تنفيذاً للقرار الصادر عن الرئيس الروسي بالدفع بالروبل، فالتداعيات تعيد صياغة المشهد الدولي، والمشهد الأوروبي، وترسم تحالفات وتنتج صراعات، لم يكن ممكناً إنتاجها بالاستناد الى معادلة الحرب العسكرية، التي ظهر أنها عبء على تحالفات موسكو، ومصدر قوة لضبط صراعات خصومها، بينما بدأ العنوان الجديد يغير المشهد جذرياً، وتبدو موسكو وهي تربح هذه الجولة جاهزة لربط المعركتين، بجعل المسار التفاوضي مزدوجاً، حياد أوكرانيا ومستقبل سوق الغاز مع أوروبا، والنظام المالي والمصرفي، بمثل ما ستصبح المفاوضات متعددة الأطراف سواء من زاوية شراكة أوروبا خلف أوكرانيا، او من زاوية اصطفاف دول حليفة لروسيا وراءها في الدفع نحو نظام عالمي جديد من بوابة ملف الطاقة ومستقبل النظام المالي.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى