حديث الجمعة

عباقرة الحياة..

للعبقرية أشكال مختلفة ولكن أهمها ما ترك أثراً يُحتفى به على مر السنين.

دُعي (كريستوفر كولومبوس) إلى مأدبة طعام ملك البرتغال في أحد الأيام وكان بين الحضور أشخاص شغلهم الشاغل التشكيك والتقليل من إبداعات الآخرين. بعد الجدال أحب كولومبوس أن يفضح ذكاء أعداء التميز فتناول بيضة مسلوقة كانت على المائدة أمامه، وتوجّه إلى الحاضرين أمام ملك البرتغال قائلاً: من يستطيع منكم أن يوقف هذه البيضة بشكل عامودي على الطاولة؟ فبدأ كل واحد منهم يحاول أن يجعلها تقف عامودياً ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، عندها طلب الملك من كولومبوس أن يوقف البيضة على الطاولة. نقر كولومبوس البيضة على الأرض نقرة خفيفة حتى كسر برفق شيئاً من قشرتها الخارجية، وأحدث فيها تجويفاً صغيراً، ثم أوقفها بسهولة على الطاولة. نعم هنا يكمن التميّز في أن تفكر بأشياء لم يفكر بها الآخرون.

ثمة أشخاص يأتون إلى هذه الحياة ويغادرونها وكأن قدومهم قد كان لأجل استمرار الحياة فقط. جاءوا ليتركوا علامات تدل على الأزمان التي عاشوا بها، ليتركوا ما يغيّر في سيرورة الحياة السائدة، ليجسدوا في الحضارات الإنسانية كشهر أيلول الذي لا ينافق في إظهار الطبيعة على حقيقتها.

قد يقول قائل إن الشعوب ألهتها صراعات البقاء، وقلق البحث عن لقمة العيش وهذا الكلام لا جدال فيه، لكن لا يمنع أحداً من التميز عن أقرانه.

الأغرب أن العبقرية لا تعقب، فكثيراً ما يرث الأبناء وظائفهم عن آبائهم، لكنهم قلّما يرثون نبوغهم وتفوقهم.

قد ينجب رجل الأعمال تجاراً، وقد ينجب جراح طبيباً، لكن نادراً ما ينجب نابغة عبقرياً، علماً بأنّ الاستثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها.

وكيف لم يتأثر النوابغ ببيئة عبقر رغم إقامتهم بالوادي ذاته؟؟ كيف خفت أشعة مواهب أبناء ولدوا من شمس العطاء؟ أتكون الطاقة الضوئيّة لآبائهم طامسة على صغارهم؟ ربما..

بالمرور على تاريخ العباقرة نجد جلهم لم يتزوّج كشوبنهاور، كانط، سيد قطب، سارتر، نيتشه، كانط، نيوتن، بيتهوفن والقائمة تطول. ربما كانوا على يقين أنّ العبقرية لا تورث وإنما هي حصيلة مجهود شخصي،

ربما لأنهم أدركوا أنهم ليسوا بحاجة ذرية تخلد أسماءهم والدليل أن ذكراهم قائمة حتى اليوم.

العباقرة إيقاظ في حفظ واستغلال كل لحظة بحثاً عن الخلد.

العباقرة لا يبحثون عن الطريق السهل والذي لا يحقق سوى الحصول على شقة ودفع فواتير بل يقومون بأعمال عظيمة لأنهم يدركون أنّ البحر الهادئ لا يعلم السباحة.

قصة كولومبوس تؤكد أن المميز يستمع دائماً للغة العلم والعقل ويحاول جاهداً تقديم شيء جديد يعود بالنفع على سائر البشرية..

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى