نقاط على الحروف

حكمة برّي من الدعوة لجلسة الخميس استندت إلى حنكته

 ناصر قنديل

قبل أقل من أسبوعين ردّ رئيس مجلس النواب على أسئلة نيابية وجّهت إليه حول الدعوة لجلسة مخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، طالما أن المهلة الدستوريّة لانتخاب الرئيس قد بدأت منذ مطلع شهر أيلول، فقال «هذه صلاحيتي وأنا أقدِر، عندما يكون هناك شيء من التوافق سوف أدعو الى جلسة، والمغامرة ان ندخل الى المجلس وأن لا يكون هناك توافق ويكون هناك تفرّق، لذلك التروي مطلوب في هذا الموضوع وعندما أجد شيئاً من التوافق لا الإجماع هذا ما قلته في كلمتي (في صور)، وأقولها الآن نريد شيئاً من التوافق عندها سوف تجدونني أحدد جلسة فوراً».

فجأة قرر الرئيس بري الدعوة لجلسة انتخابية، وليس في الأفق أن توافقاً قد تحقق، والمفاجأة التي أصابت النواب والمتابعين، طرحت السؤال حول حكمة الرئيس بري من وراء هذه الدعوة، التي تبدو أقرب إلى إعلان افتتاح البازار الرئاسي دون الانطلاق من نقطة بداية واضحة يمثلها ما وصفه بالحد الأدنى من التوافق، بل تبدو سعياً لحث الكتل النيابية على السعي لتسريع النقاش حول شروط التوافق، تأكيداً للمسؤولية الدستورية لرئاسة المجلس، بل الواجب الدستوري في إدارة الاستحقاق بما يضمن أفضل الظروف لاستيلاد الرئيس العتيد ضمن المهلة الدستورية، وربما يرى البعض في خريطة طريق بري محاولة جعل الدعوة وما قد يليها من دعوات سبباً لتحقيق التوافق.

لفهم خلفيات الدعوة تجب العودة إلى جزء من جواب بري على الأسئلة النيابية، بقوله، إن «المغامرة هي ان ندخل الى المجلس وأن لا يكون هناك توافق ويكون هناك تفرق». والتدقيق في نوعية المغامرة التي أوحى إليها بري، سنكتشف أن المقصود، التحسب لتوجيه دعوة يقاطعها عدد من النواب يكفي لتعطيل النصاب، فتتحول الدعوة الى مغامرة، ومدخل للتفرق، لأن الدعوة للجلسة التي يتحقق فيها النصاب تعني بدء إجراءات العملية الانتخابية، بكل ما فيها من تسمية مرشحين واستعدادات تسبقها بتشاور نيابي حول التموضع الانتخابي، وبالتالي إطلاق مسار التوافق المنشود، بينما الدعوة لجلسة لا تنعقد بسبب تعطيل النصاب فهي إعلان انسداد في المسار، وتجميد للبحث في التوافق بمعايير انتخابية، وربطه بإنجاز توافقات أبعد مدى داخلياً وخارجياً، ربما يكون من الصعب توفيرها في مدى قصير، ضمن المهلة الدستورية وحتى بعد انقضائها.

تبدو الحكمة من دعوة الرئيس بري لإطلاق مسار التوافق، بتحدي الكتل النيابية ودفعها للبحث عن خياراتها تجاه الاستحقاق، قد استندت إلى حنكته في قراءة تراجع فرص تعطيل النصاب، سواء مع صدور البيان الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي، أو ما صدر عن البطريرك الماروني، وعن الاجتماع النيابي في دار الفتوى، ما يجعل أي محاولة لتعطيل النصاب تحت ضوء كاشف خارجي وداخلي يقيد حركة أصحابها، وهو ما لا ترغبه الكتل التي سبق وألمحت إلى أن سلاح التعطيل هو إحدى الأوراق القابلة للاستخدام في مقاربتها للاستحقاق الرئاسي، ولذلك أراد برّي الضرب على الحامي، مستظلاً بالمواقف الداعية لإجراء الانتخابات الرئاسيّة في موعدها، عبر دعوة تضع مّن يقاطعها في موقف شديد الحرج.

لا يتوقع أحد أن تخرج جلسة الخميس برئيس، علماً أن بعض النواب يدعو للتعامل مع الدعوة وكأن هناك أرنباً رئاسياً سيخرجه بري خلالها وقد ضمن له الفوز في الدورة الثانية بأغلبية 65 صوتاً، وإذا استبعدنا هذا الاحتمال فإن الدعوة ستتيح قراءة ملموسة لكيفية تحرك الكتل النيابية، وتحالفاتها، وتشظي بعض ما يبدو موحداً بينها، ضمن عملية فك وتركيب متواصلة من دعوة الى أخرى، عبر الإعلان أن فترة السماح قد انتهت ودخلنا الى الاصطفافات النهائية في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، حيث سيضطر الجميع الى بدء كشف أوراقه، لأن الأوراق التي تبقى مستورة ربما لا تجد لها وقتاً لتنكشف، وقد يفوتها القطار، وستخرج جلسة الخميس بأسماء المرشحين الأقوياء وتظهر حجم النواة الصلبة التي يستند الى تصويتها كل منهم، ما يمنح الدعوة الثانية، وربما الثالثة فرصة الإنجاز.

وضع الرئيس بري دعاة «رئيس صنع في لبنان» أمام تحدّي التحلي بالجرأة اللازمة في مقاربة الاستحقاق دون أن تكون هناك كلمة سر خارجيّة درج اللبنانيون على انتظارها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى