نقاط على الحروف

حماس في دمشق: نقطة تحوّل

 

ناصر قنديل
– قد يقول البعض إن قيمة عودة حماس الى دمشق كانت ذات أهمية لو تمّت في لحظات الحرب الصعبة على سورية، وليس عندما باتت الحرب على نهايتها المحتومة بنصر سورية الأكيد. وهذا صحيح ربما لجهة قراءة موقف حركة حماس، لكنه ليس صحيحاً في سياق تشكل موازين القوى الجديدة، لأن العودة بهذا التوقيت تأتي في سياق متغيّرات تتكامل لتصنع مشهداً إقليمياً جديداً، تبقى قراءته هي الأهم، من رغبة البعض ولو بحسن نية بتسجيل النقاط على حماس، ولو في لحظة لا يحتسب تسجيل النقاط فيه عملاً شريفاً، لأن المعركة مع حماس فكرياً وسياسياً انتهت مع تموضعها الكامل حيث يجب أن تكون مع هويتها المقاومة، وبدأت المعركة الى جانب حماس لتحصين موقفها بوجه المصطادين في المياه العكرة الذين يريدون حصار قرارها واستنزافها لمعارك اعلامية وسياسية جانبية ترفع عليها كلفته، كما بدأت معركة جديدة على حماس تشبه المعركة التي وقعت مع بداية الحرب على سورية وانتهت لغير صالح قوى المقاومة بخروج حماس من دمشق، وهي تنتهي اليوم بالعكس تماماً لصالح محور المقاومة.
– بمثل ما كانت الحرب على سورية أم حروب المنطقة والعالم، وكان الموقف منها إشارة على قراءة تجاه هذه الحرب، ومثّل موقف حركة حماس يومها مؤشراً لقراءة تيار واسع في الشارع العربي والإسلامي بنى الكثير من الأحلام والأوهام على الربيع العربي، وأسقط الكثير من التحفظات على التمركز في خندق واحد مع الأميركي في الحرب على سورية كرمز لمفهوم الدولة الوطنية التي كانت المستهدف الأول في الربيع العربي، كما أسقطت المكانة التي يفترض ان تبقى فيها فلسطين والمقاومة كبوصلة ترسم وجهة المعارك وأولوياتها لصالح وهم أولوية الديمقراطية. هكذا تبدو عودة حماس الى دمشق إعلاناً بسقوط الأوهام والأحلام على الربيع العربي، ومراجعة جدية لخيار قبول التموضع مع الأميركي الذي يدخل مراحل من التأزم والذبول والتراجع، وعودة الى أولوية معيار فلسطين والمقاومة في رسم الأولويات، حيث تطل الدولة السورية حكماً كقلعة وحيدة وحصن منيع لمحور المقاومة على حدود فلسطين.
– أمضت حماس سنوات في حفر خيارها ورسم طريقه حتى توّج بزيارة دمشق، تبدلت خلالها قيادات وتمت خلالها صراعات وحسمت مواقع وأدوار، كانت جزءاً من رسم الخيارات الأصلية لأولوية الحركة، بين أصولها في حركة الإخوان المسلمين وهويتها الفلسطينية والمقاومة، فعادت فلسطين والمقاومة إلى حيث يجب أن تكونا، وبالمقابل بذلت القيادة السورية تضحيات معنوية كبيرة بطي صفحة الماضي المؤلم وتفتح الباب لحماس مجدداً، ووضع الرئيس السوري مهابة موقعه القياديّ مستثمراً على ثقة الشعب والجيش والحزب بخياراته صوابها، وهو يخطو هذه الخطوة الكبيرة بطي صفحة مليئة بالآلام والجراحات، لأن سورية كما وصفها ستبقى هي هي كما كانت قبل الحرب وبعدها قلعة للمقاومة وحصناً لفلسطين، وهذه الخطوة هي بداية مسار كما كان خروج حماس من سورية بداية مسار. وبمثل ما كان المسار السابق هو مسار فتح الفرص لسقوط سورية، يعلن المسار الجديد نهاية هذه الفرص، وكما كان المسار السابق هو تفكيك محور المقاومة وفق أولويات متعددة، يقدم المسار الجديد وحدة محور المقاومة بصفته إعلاناً لأولوية واحدة تمثلها فلسطين، ولأن المسار السابق كان يعني تشويش الرأي العام العربي حول موقع سورية من فلسطين بجعل رايتها أحد عناوين الانقسام حول سورية، ليس بالأمر العادي أن يجتمع الفلسطينيون للمصالحة في الجزائر، قبل أيام، وأن يجمعوا ويجتمعوا حول سورية أمس، لإعلان أن علم فلسطين ليس حيادياً عندما ينقسم العرب بين خياري المقاومة والتطبيع.
– كلمة للذين يقولون بأن حماس تأتي الى سورية لتأخذ بعدما تركتها عندما كان عليها أن تعطي، نلفت الانتباه إلى أن سورية التي لم تهتم لما عرض عليها من فرص نيل شرعية نصرها من المنصة العربية التي تمثلها الجامعة العربية، طالما أن العودة لن تترافق مع مراجعة عربية للخيارات، وفي مقدمتها عودة فلسطين بوصلة للموقف العربي، فإن سورية معنية بأن تتوّج شرعية نصرها بالبعد الفلسطيني، ليكون نصرها رصيداً بهذا المعنى الذي مثلته سورية دائماً ولا تزال كقلعة حصينة لخيار المقاومة، وحاضنة أولى للقضية الفلسطينية. وهذا هو المعنى الذي يشكل حضور حركة حماس المقاومة في دمشق استكمالاً مهماً له وتأكيداً على صدقيته والإجماع عليه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى