أخيرة

نافذة ضوء

لم يوجد العقل إلا لعـزة الإنسان

‭}‬ يوسف المسمار*
إن واهب العقل عزيز، ووهب خلقه العقول ليكونوا أعزاء. ولا يرضى لهم إلا الوعي والعز. ولن يرضى عنهم الا اذا كانوا واعين أعزاء. فمن لا يعي أن الحياة وقفة عـز وأن العز هو روح الوعي والدافع الى المثل العليا والغرض الأسمى من أغراض الحياة، تحوّل عن نهر الحياة وسقط في مستنقع لا قرار له.
فمن الوعي والطموح الى العز انبثقت النظرة الكلية الشاملة إلى الحياة والكون والفن التي ولدت من رحمها الفلسفة المادية – الروحية الإنسانية (المدرحية). عقيدة قومية اجتماعية. عقيدة انتصار قيم الحق والخير والجمال في أبناء الحق والخير والجمال.
إن النظرة الكلية الشاملة تعني كلية ما يمكن ان ينبثق عن الإنسان او يتعلق به، ويؤثّر عليه ويتأثر به، ويحيط به وينبثق من داخله.
وهي تعني أيضاً شمول شؤون الحياة الإنسانية فلا ينحصر اهتمامها بشأن واحد دون شأن، ولا تستخفّ بشأن وتهتمّ بشأن، بل هي حركة دائمة أولها انطلاق، وآخرها انطلاق. ينطلق آخرها من أولها الأصيل الجيّد، وينطلق أولها من آخرها الأجود الأرقى باتجاه الأمثل الذي ليس له نهاية، لأن مثال الإنسان في الحياة الذي له نهاية لا يمكن أن يكون أمثل.
وإن الأصيل الأول الجيد الذي له بداية يستحيل أن يكون أول. وهذا هو بعض من أسرار النظرة الجديدة المادية – الروحية، القومية الاجتماعية الى الحياة والكون والفن التي لا ينهض بها إلا جيل جديد قوي بوعيه. حرٌ بقوته. ناهض بقيامه بواجبه. متفوّق بنظامية نظامه، مثالي بمطامحه الحرة التي لا تخضع لقيود مألوف رتيب. ولا تُعلّب في طقوس خرافة، ومتألقٌ بمناقب حقه وخيره وجماله، ومنتصرٌ بروحية محبته ورحمته وعدله. وقد عبّر عن مهمة هذا الجيل العالم الاجتماعي انطون سعاده بقوله:
«الجيل الجديد جيل جبار مهمته العظمى: رفع الحياة، وفهم الكون، وإنشاء الفن، وتغيير وجه التاريخ».
ولن يستطيع رفع الحياة، إلا الجبابرة الأقوياء بنفوسهم، ولا فهم الكون إلا الذين ولدوا بالنور والمعرفة، وتفتحت عقولهم بالنور والمعرفة وعلى النور والمعرفة، ولا إنشاء لفنٍ بديع سامٍ إلا بنفوس الذين تفتحت عقولهم بالجلاء وعلى الجلاء، وتألقت نفوسهم بالعظمة، وقويت طاقاتهم وتوسعت تصوراتهم بمآتي العصور والأجيال.
ولا تغيير وجه التاريخ الإنساني يحصل للأفضل الحضاري الا بنور المعرفة الحكيمة، والعلم الفاضل، والمناقب الأخلاقية الراقية، والصراع الهادف المتجه دائما الى أعظم المثل وأسماها التي تسمو بالإنسانية الى حيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا عقل أدرك، ولا خطرت على تصورات وخيالات بشر.
فمن عطّل موهبة العقل بالجنون كالذي يعطلها بالخمول، ومن عرقل فعاليّة العقل بالشرود كمن يعرقلها بالتخاذل، ومَن فقد موهبة العقل بالخنوع كالذي يفقدها بالشذوذ. والنتيجة تكون أن لا استقامة لوعيه ولا وصول لعزه.
وبفقدان الوعي والعز، لا حاجة له للحرية ويكفيه أن يعيش ويكمل أيامه في قنّ أو حظيرة أو قفص أو سرداب يتآكل ويهترئ في داخله.
وهذا ما يصح حتى على الأمم التي لا تدري انها حيّة أو ميتة ولا تعرف هويتها، ولا تكترث بمعرفة تاريخها، ولا تميّز بين يقظتها وغفلتها، ولا تدرك أن عزتها تبدأ بوعيها، ولا تسعى للخروج من ضياعها، وتجهل أن بجهادها وبطولتها تتلخّص من ظلمتها وتعانق نور الحياة التي فيها سعادتها.
والأمة التي عجزت نفوس أبنائها عن القيام بمسؤولية نهضتها، لن يكون مصيرها إلا ما أشارت اليه الحكمة البليغة التي نطق بها واضع فلسفة التفاعل الموحد انطون سعاده بقوله:
«النفوس العاجزة تنوء وترزح وتسقط. تسقط غير مأسوف عليها. تسقط وقد قضت على نفسها قبل أن يقضي عليها غيرها».
*شاعر وباحث قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى