أخيرة

التراث الفلسطيني بأنامل شابات فلسطين وشبّانها: «سنرجعُ يوماً»

 

‭}‬ إنعام خرّوبي
غالباً ما يكون التراث، بمثابة التاريخ غير المكتوب لشعب أو لأمة، لكن عندما يتعلّق الأمر ببلدٍ هُجِّر أهله بوعدٍ خبيث ممن لا يملك لمن لا يستحق، تشعرُ أنّ هذا التاريخ هو من لحمٍ ودمٍ ينبض ألماً ووجعاً وأدباً وشعراً وحِرَفاً ومنسوجات تحكي كلّ قطبة فيها حكاية وطنٍ وإنْ غادره أهله، إلا أنّه لم يغادر قلوبهم بل استقرّ في عقولهم وضمائرهم، ولسان حالهم يقول: «سنرجعُ يوماً».
على مدخل «معرض التراث الوطني الفلسطيني الثالث عشر» والذي حمل عنوان «بين النكبة والتحرير… عائدون إلى فلسطين»، يجلس شاب بشوش بلباس تراثي يحيّي الزوّار بفنجان من القهوة العربية، ثم يحكي لهم نبذة عن تقاليد وعادات وآداب شرب القهوة في فلسطين، وهي المشروب التراثي للأجداد، وعن الأشكال المختلفة لـ»دلة» القهوة ودلالاتها.
وفي داخل المعرض، تزدحم الألوان والأشكال المختلفة وتشعُّ من المشغولات الحرفية الخشبية والمعدنية واللوحات والمطرّزات من الأغطية والأثواب التقليدية بالقطبة الفلسطينية التي ترمز كلّ منها إلى مدينة أو منطقة في فلسطين، ويظلّل العلم الفلسطيني أجنحة المعرض مزيّناً بمفاتيح العودة.
«جئنا إلى هنا لنثبت أننا لا نزال موجودين بحضارتنا وتراثنا وهويتنا»، تقول لـ «البناء» ابنة طبريا لبنى ربحي سخنيني من «مركز طبريا للفنون الجميلة». وتُضيف: «صحيح أنّ الجيل الأول الذي غادر فلسطين بعد النكبة قد توفي جزء كبير منه، لكنّ رسالة هذا الجيل موجودة فينا ونحن ننقلها اليوم إلى أولادنا وستبقى حيّة جيلاً بعد جيل».
وتتابع: «افتتحنا مركزاً أنا ووالدي في مخيم برج البراجنة لننقل رسالتنا إلى الشابات والشبان ليمارسوا هواياتهم وشغفهم بالحياة من خلال المشغولات اليدوية التي نقدّمها، وفي الوقت نفسه يعرفون من نحن وما هي هويتنا وما هو تراثنا». وتتحدّث سخنيني عن مركز طبريا للفنون الذي تأسّس منذ نحو عام ويضمّ اليوم نحو عشرين شابة وشاباً، وتقول: «أنا لم أرَ فلسطين ولم أعش فيها، لكنها في قلبي، ومن خلال ما نقدّمه في المركز من أعمال رسم وحفر وتطريز وإعادة تدوير نريد تعريف العالم بتراثنا وأيضاً الأجيال الجديدة لكي نعزّز فيها روح الانتماء للوطن والقضية عن طريق التراث الوطني الفلسطيني». وتعرب سخنيني عن سعادتها بالإقبال الجيد على المعرض «والذي يعكس إيماناً بقضيتنا وتقديراً لتراثنا، فقضية فلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم بل هي قضية العالم».
ويشير محمد الموسى من «مؤسّسة جذور للتراث الفلسطيني» إلى رمزية المعرض وتوقيته هذا العام بالتزامن مع عيد انتصار المقاومة في لبنان على العدو الصهيوني. ويقول لـ «البناء»: «التراث الفلسطيني هو جزء من المقاومة، التراث هو التاريخ المصور الذي يؤكد هويتنا الفلسطينية».
ويُضيف: «نحن متمسّكون بحقنا في أرضنا وفي عودتنا إليها مهما تفرّقنا في أصقاع الأرض ويوم العودة آتٍ لا محالة».
ويتحدّث الموسى الذي يتحدّر من مدينة صفد شمال فلسطين المحتلة «عن جذور التراث الفلسطيني الموثق منذ العام 1800، وهو تراث متميّز ومعروف في كلّ أنحاء العالم».
ويقول: «التراث هو نحن، هو هويتنا ووجودنا وإرث أجدادنا وحضارتنا ولهذه المعارض أهمية كبرى ودور مهمّ في نقله إلى الآخرين وحفظه من الاندثار».
ويشير الموسى إلى ما تعرضه مؤسسة «جذور» في المعرض الثالث عشر للتراث الفلسطيني من منتجات حرفية، يدوية وغير يدوية، خشبية ومعدنية وأثواب وحليّ، إضافة إلى لوحات قماشية جدارية تصوِّر معالم أساسية من فلسطين.
ويقول حسام عرار من «مؤسسة عرار للتراث الفلسطيني»، وهو ابن بلدة ترشيحا ـ عروس الجليل: «التراث هو إرث ينتقل من جيل إلى جيل، وإذا بقي الإنسان في أرضه يبقى التراث محفوظاً، أما إذا اقتُلع الإنسان من أرضه يصبح هذا التراث أمانة، خصوصاً في مواجهة عدو لم يكتفِ بسرقة أرضنا فقط بل يعمل جاهداً لسرقة تراثنا ونسبه إلى نفسه، التراث الفني والمأكولات التي نشتهر بها والأسماء واللباس».
ويُضيف: «هذا العام كانت الذكرى الخامسة والسبعون للنكبة، ونحن لا نريد فقط أن نُحيي ذكرى النكبة بل مناسبات النصر أيضاً، وهذا المعرض يتزامن هذا العام مع عيد المقاومة والتحرير في لبنان، ونأمل في هذه المناسبة أن يتحقّق النصرُ الكامل للأمة بفضل المقاومين الأبطال. وعلى أية حال فإنّ نقل التراث هو من أشكال المقاومة، وفكرة المعرض تدعم الهدف الأساسي وهو التمسك بالهوية».
وفي تصريح لـ «البناء»، يؤكد عضو «جمعية التراث الوطني» منذر فواز على أنّ هذا النوع من الفعاليات يؤكد «أننا متمسكون بهويتنا وتراثنا، خاصة أنّ العدو يحاول سرقة كلّ ما يمتّ إلى حضارتنا بصلة». ويقول: «نحن متمسكون بهذا النشاط لأننا نعتبره معركة إلى جانب معركة المقاومة وبنفس المستوى».
وعن تزامن توقيت المعرض مع عيد المقاومة والتحرير، يجيب فواز: «خلال الاثني عشر عاماً الماضية كنا قد ثبتناه في يوم الأرض، لكن هذا العام صادف يوم الأرض في شهر رمضان، وأحببنا أن يتزامن مع عيد المقاومة والتحرير ومنه استقينا شعار المعرض لهذا العام: «بين النكبة والتحرير.. عائدون إلى فلسطين» وبوجود مقاومتنا البطلة في فلسطين ومحور المقاومة كلنا ثقة بأننا عائدون حتماً».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى