أولى

سورية والعراق والعبث الأميركي بجغرافية البلدين

‭}‬ د. حسن مرهج*
لم تكن مفاجئة زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني، إلى سورية، والتي استقبله خلالها الرئيس الدكتور بشار الأسد، لا سيما أنّ العلاقات السورية العراقية، تتجاوز حدود التاريخ والجغرافية المشتركة بين البلدين، ولعلّ ما جمع ويجمع دمشق وبغداد، عناوين استراتيجية عميقة، وسط إقليم ملتهب، تعجّ به التقلبات والمتغيّرات، جراء تداخل وتشابك سياسات القوى الإقليمية والدولية، والتي تنظر إلى جغرافية البلدين، وفق منظور مصالحها.
الرئيس بشار الأسد، وخلال لقائه السوداني، بحثاً العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك الأزمة السورية والأمن في المنطقة، وتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتعزيز التعاون في مجالات النفط والغاز والكهرباء والنقل. من هنا يبدو واضحاً أهمية وعمق هذا اللقاء لِكلا البلدين، وذلك لأنّ سورية والعراق، تجمعهم قضايا مشتركة، فرضها العامل الجغرافي، فضلاً عن أنّ دمشق تعتبر بغداد حليفاً أساسياً، وقد تم تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في السنوات الأخيرة، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
ومن جهة أخرى، فإنّ العراق أيضاً ينظر إلى سورية، كـ أحد أهمّ الشركاء التجاريين، وخاصة في قطاعات النفط والغاز والكهرباء، وقد تمّ الاتفاق خلال اللقاء على مزيد من التعاون في هذه المجالات، بما في ذلك تبادل الخبرات والتكنولوجيا والاستثمار في المشاريع المشتركة.
المحادثات العراقية السورية، تؤكد على العلاقات الثنائية بينهما، إذ يتزامن هذا اللقاء مع تحديات كبيرة تواجه المنطقة، من بينها الأزمة السورية التي دخلت الآن عامها الثاني عشر، والتي تتطلب تعاوناً دولياً وإقليمياً لتحقيق السلام والاستقرار فيها، ويمكن للتعاون بين العراق وسورية أن يمثل مثالاً يُحتذى به في هذا الصدد، ومن المهمّ أن يتمّ التركيز على الجوانب الإنسانية وحقوق الإنسان في هذه العلاقات الثنائية، وضمان حماية حقوق اللاجئين السوريين في العراق وحقوق العراقيين الذين يعيشون في سورية، ويجب أن تكون المصالح الاقتصادية والسياسية في خدمة هذه القضايا الإنسانية الحيوية.
وبصرف النظر عن العناوين العريضة لتلك الزيارة، لكن يبدو واضحاً أنّ ما يجمع البلدين هاجساً أكبر، فالتواجد الأميركي ضمن جغرافية البلدين، يكاد يكون مُعطلاً أساسياً لأيّ استقرار، فالولايات المتحدة ومن خلال احتلالها للأراض العراقية والسورية، إنما تُنشئ كياناً إرهابياً مُهدّداً لإستقرار البلدين، وعاملاً ضاغطاً على الاقتصاد السوري والعراقي على السواء، من هنا وما تسرّب عقب اللقاء السوري والعراقي، فقد تمّ الإتفاق على آلية مشتركة، تعمل على تحقيق معادلة إخراج الأميركي من جغرافية البلدين.
وربطاً بما سبق، فإنّ تحقيق الاستقرار في المنطقة يتطلب من العراق وسورية اتخاذ عدة خطوات، وفي ما يلي بعض الخطوات التي يمكن للبلدين اتخاذها:
ـ التعاون في محاربة الإرهاب: يجب على العراق وسورية التعاون في محاربة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية للحدّ من نشر التنظيمات الإرهابية في المنطقة.
ـ التعاون الاقتصادي: يجب على العراق وسورية تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما وتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية، وتشجيع المشاريع الاقتصادية المشتركة.
ـ حلّ الأزمة السورية: يجب على العراق وسورية العمل معاً ومع الدول الأخرى المعنية لحلّ الأزمة السورية، وتحقيق السلام والاستقرار في سورية والمنطقة بشكل عام.
ـ تعزيز العلاقات الثنائية: يجب على العراق وسورية تعزيز العلاقات الثنائية بينهما وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية.
ـ حماية حقوق الإنسان: يجب على العراق وسورية العمل على حماية حقوق الإنسان وضمان حقوق اللاجئين والمهجرين، وتحسين الوضع الإنساني في المنطقة.
ـ التعاون في مجال المياه: يجب على العراق وسورية التعاون في مجال المياه وضمان مشاركة عادلة في الموارد المائية المشتركة، والعمل على تحسين إدارة الموارد المائية في المنطقة.
ختاماً، تدرك القيادتين العراقية والسورية، أنّ تفعيل ما سبق، لن يتحقق إلا عبر إخراج القوات الأميركية من سورية أولاً ومن العراق ثانياً، وأنّ عوامل الاستقرار في سورية والعراق، تتطلب التعاون الوثيق بين العراق وسورية، وبين الدول الأخرى المعنية، والعمل على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بشكل شامل. ومن الضروري أن تكون هذه الجهود مدعومة بالإرادة السياسية والتزام الجميع بتحقيق هذه الأهداف.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية
ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى