مقالات وآراء

خطاب الهدوء الواثق في ذكرى الانتصار

‭}‬ رنا العفيف
محوران أساسيّان تطرّق لهما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى انتصار تموز آ آب، إضافة إلى معادلات جديدة في جوهر الخطاب، كيف يتمّ التعليق عليهما، أو على ماذا تُدلّل هذه المُعادلات؟
أكّد السيّد أبو هادي أنّ الاحتلال أضعف والمقاومة أقوى، وفي حال خوض المعركة مع المحور لن يبقى شيء اسمه «إسرائيل»، كما ألمح إلى أنّ قوى سياسية كانت تريد أن تدفع البلد نحو حرب أهلية ودعا إلى الهدوء والحكمة لأنّ الخارج لن يتدخّل إلا لتسعير الحرب، أيضاً توجّه السيّد إلى قادة الاحتلال قائلاً: أنتم أيضاً ستتم إعادتكم إلى العصر الحجري إذا أقدمتُم على الحرب مع لبنان…
في التحليلية العميقة لهذا الخطاب، يمكن التعليق على أهمّ نقطتين أساسيّتين، الأولى… إذا أردتّم أن تُعيدونا إلى العصر الحجري، نحن أيضاً سنُعيدكم إلى العصر الحجري، هذه بكلّ تأكيد معادلة جديدة خطّها حزب الله في الذكرى السابعة عشر للانتصار، واللّافت في الأمر أنه تحدّث عن الدلائل والبراهين، أيّ المطارات العسكرية والمدنية وقواعد سلاح الجو ومراكز الاتصالات ومحطات النفط ومفاعل ديمونا، وقال: أنتم كم صاروخ دقيق قادر على الدخول إلى هذه الأهداف، انطلاقاً من هذه المعادلة أو المحطة المفصلية من الواضح أنّ المقاومة راكمت القوة بخط تصاعدي، وتطوير السلاح وآليّاته بترسانة تمّ الكشف عن جزء منها بتوقيت زمني مُعيّن بثبات وصلابة خيار المواقف المُتاحة، ما يعني أنّ موضوع تراكُم القوّة لدى المقاومة لم تتوقّف يوما عن مُراكمة قدراتها، وهي تعلم عِلم اليقين أن إسرائيل بعد كل عملية أو مرحلة تقوم بتطوير قدراتها، تزامناً مع كسر دفاعات «إسرائيل»، إن كان في البر أو في الجو أو حتى في البحر، لذلك عملت على كلّ المستويات، وبالتالي المقاومة بعد 2006 تختلف عمّا كانت عليه سابقاً من الناحية التسليحية ومخزون الردع الأساسي في التكتيك الجيبولتيك العسكري الأمني، وهي طبعاً منظومة سلاح قادرة على مواجهة قدرات الجيش الإسرائيلي.
بمعنى استراتيجي عسكري أنّ المقاومة تنظر إلى عقيدة الجيش الإسرائيلي وتقرأ جيّداً مبادئ العقيدة العسكرية الإسرائيلية، والمقاومة هنا تجد وسيلة في رسم المعادلات، وهي بارعة تماماً بذلك لمواجهة قدرات «إسرائيل»، لذا كان هناك فشل ذريع بها أو فشلت هذه العقيدة أمام المقاومة، وربّما هذا نادر جداً ما نراه في الجيوش العربية في كلّ صراع مع «إسرائيل»، لأن العقيدة العسكرية الإسرائيلية ترتكز إلى مبادئ أهمّها قوّة الردع، وهي تمتلك قدرات تقليدية وغير التقليدية تمنع العرب من التفكير بشن الحرب.
أما المبدأ الثاني هو التفوّق الاستخباري والذي يُتيح الإنذار المُبكّر لتكون «إسرائيل» جاهزة لمواجهة المخاطر التي تُهدّدها، كما أيضاً القلّة في مواجهة الكثرة، وهذا واضح للجميع بأنه مبدأ نوعي تتباهى به «إسرائيل» لأنه يعتمد على استراتيجية الحرب الخاطفة أو الهجوم الساحق، والأهم من ذلك هو خوض الحرب عليها وهي تؤمّن حماية الجبهة الداخلية لعدم تعرّضها للخطر.
وبالتالي أمام هذه العوامل العسكرية سواء في 2006 أو ما بعدها تفوّقت المقاومة على التفوّق الاستخباري للاحتلال الإسرائيلي بالرغم من أنّ «إسرائيل» كانت تعتمد على التخفّي، وعليه كانت وما زالت المقاومة تمتلك قدرات ردعية منذ العام 1993، أيّ منذ عملية «تصفية الحساب»، وما تطرّق إليه السيّد حسن نصرالله يشي بأنّ معدلات الردع قائمة ولا يمكن لـ «إسرائيل» المغامرة بأيّ خطوة، لأنّ عواقبها جاهزة ومحسومة.
ومن كان يظنّ أنّ المقاومة كانت تخوض حربها مع «إسرائيل» فقط، فهو خاطئ لأنّ حزب الله كان على أكثر من جبهة يحارب السردية الإسرائيلية التي تمتلك أدواتها في لبنان وخارج لبنان، ومؤتمر شرم الشيخ يؤكّد دلالة ما ذكرناه، وبالتالي انتصار تموز ـ آب له معنى مختلف لأنّ حزب الله قطعاً لا يواجه فقط «إسرائيل» لوحدها، وهذا مُتمثّل بمعنى الانتصار التاريخي الذي كرّسته المقاومة تجاه القوى العالمية الكبرى التي أعطت إيعاز إعادة الصياغة الجذرية لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي، فكانت قراءة المقاومة لها قراءة عبقرية، على اعتبار حرب تموز التي أسقطت الدّور الوظيفي لـ «إسرائيل»، وهذا حتماً موثّق في السجلات العسكرية الإسرائيلية.
لذا اليوم خطاب السيّد ليس كما قبله، استكمالاً لنظريته أنتم ستعودون إلى العصر الحجري، بمعنى أنّ تلميحات السيّد أخذت حيّز التفيذ في خارطة الاستهداف بإمكانية دخول جبهات مُتعدّدة إلى الميدان في حال وقوع أيّ اعتداء على لبنان. وتساءل، كيف ستتعامل تل أبيب مع آلاف الصواريخ الدقيقة التي ستُمطر الكيان، والتي لن تتمكّن المنظومة الدفاعية من إيقافها…؟
ولكن مسار هذة المعادلة سيكون له بصمة تاريخية أشبه بتموز على مستوى رفع سقف بنك الأهداف مع المحافظة على قوة الردع في ظلّ مراحل هبوط قدرة الردع الإسرائيلي رغم تفوّق «إسرائيل» من الناحية المادية والتكنولوجيا العسكرية، استطاع المُقاومون في المقاومة عبر توظيف الإمكانات المُتاحة من تحقيق النصر في تموز والذي له أبواب انتصارات متتالية، ما يُترجم فصل الخطاب الذي كان له وقع بارز في تطوّر الأحداث أنّ المقاومة ربّما على استعداد لحرب لا مثيل لها في ظلّ تعاظم قدرات حزب الله وتعمّق تأزّم الوضع الداخلي الإسرائيلي، وتحت هذا العنوان تطوّر سلاح المقاومة وحث على لحظة التحرّك الفعلي في امتلاك تقنية الصواريخ وجعلها ذكية، ولم يتوان حزب الله عن التباهي بهذا الإنجاز، أيّ القدرة البشرية الممتازة في محور المقاومة التي يقابلها تراجع القوة البشرية الإسرائيلية وهروب الإسرائيليين من القتال، إذاً هناك تغيير جوهري في البنية العسكرية بعد تحرير الجنوب اللبناني وصولاً ليومنا هذا، مقابل مواجهة التهديد اليومي الإسرائيلي والمُتجسّد في الجبهة الداخلية..
وفي الخلاصة أيّ حرب كبرى ستشمل كلّ الحدود وستضيق ساحاتها وميادينها بمئات آلاف من المقاتلين في ظلّ التفوّق الهائل في البُعد البشري، وأيّ خطأ في التقدير قد يؤدّي إلى غليان المنطقة، وهذا مُتمثّل ربّما بأسطورة الضّفدع والماء المغلي..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى